بتاريخ 19 نوفمبر اُعتقل كارلوس غصن رئيس مجلس الإدارة والرئيس التنفيذي السابق لنيسان في مطار هانيدا بطوكيو بعد الاشتباه في تقديمه لتقارير تقلل من دخله وإساءة استعمال أموال الشركة للأغراض الشخصية، ولا يزال غصن معتقلا، وبعد ذلك بأقل من أسبوعين اُعتقلت مينغ وانزهو المسؤولة المالية الرئيسية لشركة هواوي وابنة مؤسس الشركة أثناء وجودها في منطقة الترانزيت في مطار فانكوفر، وذلك على أساس تهم موجهة من الولايات المتحدة الأميركية بأن هواوي قد انتهكت العقوبات الأميركية على إيران، وتم الإفراج عنها بكفالة حيث تنتظر حاليا جلسة المحكمة للنظر بطلب التسليم.

إن القضيتين غير مرتبطتين ببعض من الناحية الفنية، ولكن كلا القضيتين تعكس حقيقة مهمة، وهي أنه تحت ظل العولمة فإن الإجراءات القانونية المحلية قد يكون لها تداعيات عالمية كبيرة.

Ad

إن اعتقال غصن يعني أن النظام القضائي الياباني يحاكم من قبل الرأي العام العالمي، وفي واقع الأمر فإن اليابان تفتقد للعديد من عناصر الإجراءات القانونية العادلة الموجودة في النظام القضائي الأنجلو-أميركي مثل حق أن يوجد محام خلال الاستجواب، وكما ذكر محامي الدفاع الجزائي الياباني البارز ماكوتو أندو فإن النظام الجزائي الياباني يعمل على أساس افتراض مفاده أن "المتهم مذنب حتى يتم إثبات أنه مذنب".

لكن الموضوع يمكن أن يكون أسوأ من ذلك: إن وجود معدل إدانة يصل إلى 99% (بين أولئك الذين يتم توجيه الاتهام لهم) يوحي بأنه ربما يوجد هناك تواطؤ بين النيابة والمحاكم عوضا عن العمل لتحقيق العدالة، فعلى سبيل المثال نادرا ما يتم رفض طلب النيابة تمديد الاعتقال (لفترة لا تتجاوز 23 يوما) ونادرا ما يتم قبول الكفالة والعديد من المشتبه فيهم الذين يفرج عنهم بكفالة عادة ما يعاد اعتقالهم مرارا وتكرارا بناء على تهم جديدة، وذلك حتى يتم الحصول على اعتراف منهم.

إن المشاكل المتعلقة بنظام العدالة الياباني ظهرت جليا للعامة منذ اعتقال غصن وبتاريخ 8 يناير استخدم غصن في أول ظهور له في المحكمة بندا دستوريا نادرا ما يتم استخدامه من أجل رفض جميع التهم حيث وصفها بأنها "لا قيمة لها وغير مدعمة بالأدلة"، وحسب الظاهر فإن رده الذي استغرق عشر دقائق بدا وكأنه أكثر قابلية للتصديق من دعوى النيابة ضده، لكنه لا يزال في السجن.

إن الطريقة التي ظهر بها غصن بالمحكمة- مقيد اليدين وهناك حبل حول خصره ويلبس نعالا بلاستيكيا- قد زادت من كارثة عالمية في العلاقات العامة بالنسبة لليابان، ولكن على الرغم من ذلك وبتاريخ 10 يناير وجهت النيابة تهمتين إضافيتين ضده، والآن قد يمضي ستة أشهر في السجن قبل بدء محاكمته.

إن الإيجابية الوحيدة هي أن قضية غصن قد تؤدي لإصلاح شامل تحتاج إليه اليابان بشده للنظام القضائي الياباني وذلك من أجل الموازنة بشكل أفضل بين مصالح النيابة وحقوق المتهمين، ولكن هذا قد يحصل فقط في حالة البراءة بالنسبة إلى غصن.

فيما يتعلق باعتقال مينغ فإن التداعيات العالمية هي أكثر وضوحاً، فكندا أصبحت الآن ساحة المعركة للحرب التجارية التقنية الصينية الأميركية، وفي واقع الأمر فإن الرئيس دونالد ترامب نفسه عمل على تسييس القضية عندنا، فأعلن أنه قد يتدخل في القضية لو ساعد ذلك على إصلاح العلاقات الأميركية مع الصين، أي بعبارة أخرى فقد جعل ترامب مينغ ورقة للمساومة في صراع ثنائي متصاعد.

لقد لاحظ جيفري د. ساكس أن اعتقال كبار المديرين التنفيذيين بسبب مخالفات تتعلق بعمل الشركات (على عكس الجرائم الشخصية مثل الاختلاس) تعتبر نادرة الحدوث في الولايات المتحدة الأميركية، وإن شركة هواوي هي أضخم شركة تقنية عالمية صينية، حيث تؤدي دورا قياديا على مستوى العالم فيما يتعلق بتقنية الجيل الخامس، وإن الولايات المتحدة التي أدركت أنها قد بدأت تخسر ميزتها التنافسية، تسارع حاليا لاستعادتها مستخدمة نفوذها المالي العالمي.

إذاً، وفي حين كشفت قضية غصن ما أطلق عليه براد آدامز، وهو مدير منظمة هيومان رايتس ووتش لحقوق الإنسان لآسيا، "نظام العدالة المختطف" في اليابان، والذي تم تجاهله لفتره طويلة، فإن اعتقال مينغ قد تمت إدانته من قبل البعض على أنه بمثابة "اختطاف" و"احتجاز سياسي للرهائن"، وهذا غير مفاجئ، فتخيل لو فرضت الصين عقوبات أحادية على الشركات التي تمارس نشاطا تجاريا في تايوان، ثم دعت لاعتقال المدرين التنفيذيين لتلك الشركات في بلدان أخرى مثل اليابان وكوريا الجنوبية.

إن قضية مينغ تطرح ثلاثة أسئلة رئيسة: هل يجب أن تتحول ممرات الترانزيت العالمية في المطارات إلى مصيدة للمسافرين؟ ولماذا أعطت كندا قانونا أميركياً الأسبقية على القانون الكندي والصيني والدولي؟ ولماذا يجب على الصين أن تتحمل وتتقبل الاعتقال من جانب واحد في كندا لأحد مواطنيها البارزين، والذي لم ينتهك أي قانون كندي أو صيني أو دولي؟

من المؤكد أن الصين لم تتقبل اعتقال مينغ، فالصين مثل الولايات المتحدة الأميركية مستعدة لاستخدام نفوذها الدبلوماسي وقوتها العسكرية وعضلاتها المالية لحماية مصالحها، وبالفعل قامت السلطات الصينية باعتقال مواطنين كنديين كإجراء انتقامي، وفي وقت سابق من الشهر حُكم على الكندي روبرت لويد شيلينبيرغ بالإعدام مجددا بعد إدانته بتهريب المخدرات بعد أن تم الحكم عليه بالسجن خمسة عشر عاما في البداية.

لقد رفضت هيوا تشونينغ المتحدثة باسم وزارة الخارجية الصينية- والتي انتقدت قضية مينغ ووصفتها بأنها إساءة استخدام للإجراءات القضائية- نداء كندا بالرأفة، حيث رددت موقف رئيس الوزراء الكندي جاستن ترودو وقالت إنه بسبب احترام الحكومة الصينية لحكم القانون فإنها لن تتدخل بالإجراءات القضائية.

وإن ردة الفعل الصينية الانتقامية ضد الكنديين غير مبررة، وإن كانت متوقعة، ففي واقع الأمر فإن استهداف كندا ينطوي على تكلفة ومخاطرة أقل بالنسبة للصين مقارنة باستهداف الولايات المتحدة الأميركية، ولكن هذا لا يعني أن الصين لن تكون راغبة في تحدي الولايات المتحدة الأميركية، وخصوصا لو استمرت الولايات المتحدة الأميركية بالسعي إلى تطبيق استراتيجيتها الناشئة والخاصة بالاحتواء.

كما أن الصين ليست وحيدة، فالدول غير الغربية لم تدعم كندا فيما يتعلق بقضية مينغ، مما يسلط الضوء على التصادم الأوسع بين الثقافات السياسية، وفي واقع الأمر هناك أعداد متزايدة من الدول غير الديمقراطية بما في ذلك الصين قد بدأت مؤخرا باختبار معايير سلوك الدولة الذي يتم ترسيخه وتطبيقه والفصل فيه من قبل الغرب.

لقد فشلت الحكومتان الكندية واليابانية في الإدارة الفعالة للتداعيات الاقتصادية والجيوسياسية، وتلك المتعلقة بالسمعة فيما يختص بقضيتي مينغ وغصن، وهي قضايا إذا أخذنا بعين الاعتبار ترابط العالم اليوم فمن غير المرجح أن تكون الأخيرة من نوعها، ومن أجل التحقق من أن تلك القضايا لن تتصاعد لتصبح أحداثاً عالمية قد تزعزع الاستقرار فإن وجود دبلوماسية خلاقة– تركز على إيجاد التوازن الصحيح بين القيم القانونية والمصالح الجيوسياسية– سيكون أمراً حيوياً.

* راميش ثاكور

* أستاذ فخري في كلية كراوفورد للسياسات العامة في الجامعة الأسترالية الوطنية ومساعد سابق للأمين العام للأمم المتحدة.

«بروجيكت سنديكيت، 2019» بالاتفاق مع «الجريدة»