في خطوة تهدف لإقناع إيران بمواصلة الالتزام بالاتفاق النووي، بعد انسحاب الولايات المتحدة منه وإعادتها فرض عقوبات خانقة عليها، أطلقت باريس ولندن وبرلين، أمس، قناة مالية خاصة للتجارة مع طهران، لتفادي التهديدات الأميركية للمتعاملين مع الجمهورية الإسلامية.

وأعلنت ألمانيا وفرنسا وبريطانيا إطلاق ما يسمى بـ«أداة دعم الأنشطة التجارية الخاصة»، وهي عبارة عن كيان لمشروعات مشتركة بين الحكومات والقطاع الخاص، من أجل مساعدة الشركات الأوروبية التي لها مصالح تجارية مشروعة في إيران على مواصلتها بعيدا عن العقوبات الأميركية.

Ad

وجاءت الخطوة التي ستسمح بالتدفقات المالية في المجالات غير المستهدفة بالعقوبات بمجرد تفعيل الكيان، على هامش اجتماع غير رسمي لوزراء خارجية دول الاتحاد الأوروبي في بوخارست، أمس.

وكانت «الجريدة» أفادت في تقرير لها، منذ 3 أيام، بأن مقر القناة المالية سيكون في باريس، وسيتولى إدارتها رئيس مصرف ألماني بارز وستعمل بنظام بريطاني.

وكان من المفترض في البداية أن يدخل الكيان حيز التنفيذ في نوفمبر الماضي، لكن البلدان التي تقف وراء المبادرة واجهت العديد من التحديات.

مقايضة وتسوية

وفي وقت سابق، قالت مصادر أوروبية إن القناة المالية الجديدة، ستعمل كبورصة تبادل أو نظام مقايضة متطور، يتم من خلاله بيع المنتجات الإيرانية بما فيها النفط، الذي يعد مصدر الإيرادات الأول لإيران.

وأوضحت أن القناة التي ستحمل اسم «اينتكس» سيتم تمويلها أولا من باريس وبرلين ولندن، الدول الثلاث في الاتحاد الموقعة للاتفاق النووي، الذي أبرم بمشاركة روسيا والصين مع طهران لتقييد برنامج الأخيرة مقابل الحصول على امتيازات تجارية ورفع العقوبات الدولية التي كانت مفروضة عليها.

وناقشت دول الاتحاد الأوروبي الـ28، نص مشروع قرار إنشاء القناة الجديدة، خلال اجتماع عقد في بروكسل أمس الأول.

ووافقت إسبانيا وإيطاليا بعد تسوية خلاف على النص، الذي رحب بالتزام إيران بالاتفاق النووي الموقع في 2015.

ويعمل الاتحاد الأوروبي، الذي يدعم «القناة المالية»، لكنه ليس منخرطا فيها مباشرة، بشكل جدي على الإبقاء على الاتفاق النووي، بعد أن أعلن الرئيس الأميركي دونالد ترامب قراره في مايو الماضي بالانسحاب منه، ودعا طهران لإبرام معاهدة جديدة شاملة.

تأييد وقلق

في غضون ذلك، أكد وزير الخارجية والدفاع في الحكومة البلجيكية ديدييه رينديرز أن بلاده مهتمة بـ«القناة المالية»، رغم تصديها لتصرفات إيرانية أخرى من بينها برنامج الصواريخ البالستية البعيدة المدى والأنشطة في سورية واليمن ومخططات الاعتداءات على المعارضة في أوروبا.

وقال رينديرز، في بوخارست: «قلت دائما إننا مستعدون تماما للمشاركة، لأننا ندعم منطق الاتفاق النووي. نريد فعلا تطبيقه».

وأضاف: «في نهاية المطاف، الشركات هي التي ستقرر ما إذا كانت تريد أو لا تريد مواصلة العمل مع إيران، رغم معرفتها بخطر العقوبات الأميركية».

وأكد وزير الخارجية البلجيكي أن «المهم هو أن نظهر لزملائنا الأميركيين أننا نسير في الاتجاه نفسه حول سلسلة من الملفات، مثل الصواريخ البالستية أو النفوذ الإقليمي لإيران».

تحذير أميركي

في المقابل، حذرت واشنطن الأوروبيين من عواقب التفافهم على عقوباتها. وقالت السفارة الأميركية، في ألمانيا، إنها تسعى للحصول على تفاصيل إضافية بشأن «القناة الأوروبية التجارية» التي لا تستخدم الدولار.

وذكر متحدث باسم السفارة: «كما أوضح الرئيس ترامب، فإن الكيانات التي ستشارك في أنشطة خاضعة للعقوبات مع إيران ستواجه عواقب وخيمة، من بينها عدم إمكانية استخدام النظام المالي الأميركي أو التعامل مع الشركات الأميركية».

وأضاف: «لا نتوقع أن يكون لآلية المدفوعات الخاصة أي تأثير على حملتنا لممارسة أقصى قدر من الضغوط».

تقلص نفطي

في هذه الأثناء، أظهرت بياناتٌ انخفاض واردات أكبر أربعة مشترين آسيويين لنفط إيران إلى أدنى كمية في ثلاث سنوات في 2018، لكن الصين والهند عززتا الواردات في ديسمبر، بعدما نالتا إعفاءات مؤقتة منحتها واشنطن لـ8 دول لمدة 180 بدأت في نوفمبر الماضي.

وأظهرت بيانات من الصين والهند واليابان وكوريا الجنوبية أن أكبر المشترين الأربعة استوردوا إجمالا 1.31 مليون برميل يوميا في 2018، بانخفاض 21% مقارنة مع السنة السابقة.

إلى ذلك، كشف الجيش الإيراني، أمس، عن أول طائرة إيرانية مسيرة نفاثة، وعريضة الهيكل. وذكر أن الطائرة هي نموذج مطور عن «طائرة T-33» التدريبية النفاثة.

أكبر عفو

من جهة أخرى، أكد مصدر في السلطة القضائية الإيرانية لـ«الجريدة» أن المرشد الأعلى علي خامنئي يستعد لإصدار قرار يتضمن أكبر عفو عام تشهده البلاد، منذ قيام نظام الجمهورية الإسلامية، بمناسبة الذكرى الـ40 لانتصار ثورة 1979.

ولفت المصدر إلى أنه خلافا للأعوام السابقة فإن العفو الجديد لن يكون مرتبطا بشروط يستوفيها السجناء، بل سيكون عفوا شاملا، خاصة بالنسبة لعدد كبير من السجناء السياسيين.

وأشار إلى أن رئيس السلطة القضائية صادق لاريجاني أطلع المرشد على ارتفاع نسبة الجرائم، بسبب الظروف الاقتصادية الصعبة وشرح أوضاع السجون بالبلاد، إذ لم تعد تتسع للمسجونين، وعليه فإنه طلب إصدار عفو كبير يشمل من ارتكب مخالفة صغيرة أو بالإقامة الجبرية، عبر تركيب أجهزة الكترونية على أرجلهم أو أيديهم، تمنعهم من التجول خارج المنازل.

وأضاف المصدر أن لاريجي، الذي تولى أخيرا رئاسة مجمع تشخيص مصلحة النظام، سعى لكسب نفوذ على الساحة العامة، من خلال مطالبته للمرشد بأن يشمل العفو عددا كبيرا من السجناء السياسيين كبادرة باتجاه مصالحة عامة «تحتاج لها البلاد في الوقت الراهن»، في ظل الضغوط الأميركية.