شوشرة: مذكرات هند
لفت انتباهي حديث الوزيرة السابقة هند الصبيح خلال مشاركتها في إحدى جلسات مؤتمر نزاهة الذي عقد مؤخرا في البلاد، عندما قالت لو أردت أن أكتب كتابا عن فساد الشؤون فلن أنتهي، إنه فعلا أمر مبك ومضحك في الوقت نفسه. وإن اعتراف الوزيرة التي تولت حقيبة الشؤون لسنوات هذا يؤكد عكس ادعاءاتها خلال الاستجوابات المقدمة ضدها من النواب خلال فترة توليها الوزارة، والتي كانت تؤكد في ردودها أن وزارتها تصدت للفساد، ونجحت في محاربة وعلاج الكثير من المشاكل، فلماذا لم تتحدث الوزيرة عن هذا الفساد قبل خروجها من الحكومة؟ ولماذا لم تتطرق الوزيرة إلى بلاوي بعض المستشارين الذين حولوا بعض الجهات إلى عزبة خاصة بهم بعد أن سيطروا على بعض القرارات فيها، وتلاعبوا بمصير أشخاص بسبب بطشهم وتعنتهم، ومنها في عصر الوزيرة نفسها ومستشارها المعروف عنه كيف يدير الأمور في بعض القطاعات الحيوية والحساسة.
فكلام الوزيرة واصطناعها للبطولات الوهمية هو حبر على ورق، فمن يرد الإصلاح يبدأ بنفسه دون أن يرضخ لأي اعتبارات نيابية أو غيرها، ودون أن يخضع لأفكار المستشار أو غيره، ومن يرد أن يعالج يكشف عن التجاوزات والتلاعب بكل شفافية للملأ دون الحاجة لاستعراض العضلات أو كتابة المذكرات أو القصص والبطولات، كما أن الإصلاح الحقيقي هو وضع الجميع على مسافة واحدة دون مجاملة لأن مسطرة القانون لا تحتاج الخروج عنها وفقا للمزاجية أو تحت بند الوساطة أو الترضيات لبعض المتنفذين أو التيارات. فأسهل ما يقال هو أننا نعاني الفساد، ولكن أصعب ما يتم الإعلان عنه هو القضاء عليه، ونحن في هذا الصدد لا نقلل من شأن بعض الشرفاء الذين تصدوا للفساد، وواصلوا الليل مع النهار لاجتثاثه وتطهير الأجهزة الحكومية وغيرها منه، بعد أن تحول إلى شبح يهدد أغلب القطاعات، خاصة أن للفساد أبوابا كبيرة وطرقا مختلفة وأجندات متعددة ومتنفذين يدعمونه وينفذون الأوامر وقانونا يخضع له، حتى أصبح الفاسد بكل وقاحة يتفاخر بإنجازاته وتمرير شبهاته وقدرته على كسر القانون والتعامل معه وفق معطياته الخاصة لأنه وجد كل الطرق الفاسدة ممهدة له دون أي عراقيل لأن بعض الشرفاء عندما يتصدون لهؤلاء يكونون قد كتبوا نهاية بطولتهم. نتمنى من الوزراء الآخرين الحاليين أو السابقين ألا يخرجوا لنا أيضا بتصريحات مشابهة للوزيرة هند الصبيح حتى لا نتعرض لأزمة ورق بسبب ما سيكتب، ونناشدهم أن يضعوا بطولاتهم جنبا، وأن يجعلوا التاريخ هو من يتحدث عنها، وأن يكافحوا الفساد ويكشفوا عن المفسدين للملأ، وألا يضعوا استثناءات للقانون وألا يصبح الضعفاء ضحايا كالعادة أو متورطين، وأن يضربوا أصحاب الكروش الممتلئة بالحرام، ويطهروا البلاد من المحسوبيات، وأن يضعوا حاويات كبيرة للوساطات والقافزين على القانون، وأن يحيلوا المتورطين إلى القضاء ويكشفوا أسماء المدانين في قضايا الفساد لتعريتهم أمام العباد حتى يكونوا عبرة لغيرهم، لأنه لا مجال للمجاملة على البلاد، فالجميع مل من بطش الفاسدين وزمرة المتنفذين وأصحاب القرار المتلونين.لا نريد وزراء يتذمرون ومحبطين بقدر رجال دولة قادرين على الإصلاح ومعالجين للأوضاع ومتصدين لسوبرمان وصاحب المواهب المتعددة، والمستشارين المتلاعبين الذين يعتاشون من أموال الشعب في الكثير من المواقع، وزمرة "تامر عمي" وغيرهم من شاكلة "ارفع إيدك وإنت مو فاهم شي" لأن المعزب سبقهم في ذلك.