أنقذوا «الصوابر»
يبدو أن كل شيء هنا أصبح مادة للاستهزاء ومشروعاً قابلاً للهدم والتدمير مقابل الدينار، بما في ذلك تاريخنا المعماري، وأعني بذلك مبنى الصوابر، الذي يُصنف كتراث حديث يشهد على حقبة ما بعد النفط في الكويت.يعتبر مجمع الصوابر أول مبنى للمعماري الكندي آرثر أريكسون في الشرق الأوسط، والمعروف عالمياً بتصاميمه المميزة، وتم بناؤه لتوفير السكن العمودي للمواطنين، حيث فاز تصميمه في مسابقة معمارية أجرتها الهيئة العامة للإسكان. تم ذكر هذه المعلومات في كتاب المهندس المعماري صباح الريس "تاريخ الهندسة في الكويت" الحائز جائزة الدولة التشجيعية لعام 2018، والذي يحتوي على الكثير من المعلومات القيّمة عن مباني الكويت التاريخية، والتي تم هدم الكثير منها للأسف. رفضت العديد من الجهات العالمية المختصة قرار هدم الصوابر، حيث نشرت المنظمة العالمية للتوثيق والحفاظ على التراث الحديث "دوكومومو" تقريراً على موقعها الرسمي يذكر القيمة التاريخية لهذا المبنى ويشجع الحفاظ عليه، رافضاً عملية الهدم. (https://docomomo.com، يناير 2019). أيضاً فقد صنفه صندوق المعالم العالمي World Monuments Fund كأحد المباني المهمة المعرضة للهدم.كذلك فقد نشر موقع "معماريو الشرق الأوسط" مقالاً يتحدث فيه عن تعرض المجمع لخطر الهدم على الرغم من جهود المهتمين من طلبة وأكاديميي جامعة الكويت، كلية العمارة، ومعماريين ومهندسين من المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب لإيقاف الهدم. (https://www.middleeastarchitect.com، يناير 2019)، بالإضافة إلى أن الهدم سيكلف الدولة الملايين، ناهيك عن الأضرار البيئية للهدم وذلك لاشتباه احتواء المبنى على مادة الإسبستوس الخطرة، والتي تؤدي إلى سرطان الرئة.
لذا فالأفضل ترميم وإعادة استخدام المبنى بصورة إبداعية جديدة على نهج ما تقوم به الدول المتقدمة من حفاظ وإعادة تشغيل، وقد قدم الشباب رؤية مقترحة لإعادة استخدام المجمع لاحتضان المشاريع الصغيرة وخلق حركة ثقافية إبداعية، ويمكن مشاهدة فيديو المقترح على حساب (أنقذوا الصوابر) على تطبيقات "تويتر" و"إنستغرام" (@save_alsawaber). الغريب في الأمر أنه تم حذف حساب "الإنستغرام" مؤقتاً، فهل هكذا يتم التعامل مع أي رأي مخالف وحراك سلمي؟ وفي ظل موجة الاستهزاء والاستخفاف بقيمة المبنى على وسائل التواصل الاجتماعي نرى الدول الشقيقة تحافظ على تراثها الحديث بوعي عال، فمبادرة "التراث الحديث" التي أنشأتها بلدية دبي حصلت على الجائزة الأولى في مؤتمر أفكار الإمارات، وتنم عن رؤية مستقبلية تضمن الحفاظ على التاريخ للأجيال القادمة وخلق معالم سياحية يتم الاحتفاء بها عالمياً. (جريدة الإمارات اليوم، 3 أغسطس 2018). وفي 22 يناير امتلأت أروقة قصر العدل بالمعماريين الشباب والأكاديميين وذوي الحس الوطني، وذلك لحضور جلسة القضية المرفوعة من قبل شابين كويتيين للحفاظ على الصوابر، كذلك فقد تطرق العديد من النواب لموضوع إيقاف هدم الصوابر وهم النواب يوسف الفضالة ومحمد الدلال وسيد عدنان عبدالصمد، وتم توجيه الأسئلة البرلمانية إلى الجهات المعنية، فهل يتم تجاهل كل هذه الأصوات التي تنادي بالحفاظ على ذاكرة الوطن في سبيل الربح المادي؟Moreيجب أن يحُترم الرأي المهني والأكاديمي للمختصين، وأن يكون لهؤلاء صوت مسموع في التقييم، على سبيل المثال الرأي الطبي في مسألة ما يتم احترامه، فلماذا لا يتم تقدير رأي الغالبية الساحقة من المعماريين في مسألة الصوابر؟ السبب الأساسي لفشل مشروع الصوابر هو عدم تنفيذه وفق التصميم الأصلي وإجراء العديد من التغييرات عليه. هذه الأخطاء يمكن تداركها وتعديلها من قبل فريق متخصص من المعماريين والمهندسين الأكفاء الذين تزخر بهم أرض الوطن. تم هدم الكثير، ولم يبق لنا سوى القليل، فإلى أين سيستمر هذا المسح المبرمج لمعالم الكويت؟ فلنتدارك ما يمكن تداركه قبل فوات الأوان.