عندما بدأ غورباتشوف برنامجه لتحديث الفكر والاستراتيجية السياسية للاتحاد السوفياتي لم يتوقع أن تصل جهوده إلى حد تفكك منظومة الكتلة الشرقية، وانقسام الاتحاد السوفياتي، وانحسار الفكر الشيوعي، وخروج بلاده كقوة عظمى تواجه المعسكر الغربي، ففي سرعة لم يتوقعها أكثر المتنبئين بانهيار النظام الشيوعي تفكك كل ما بُني على مدار أكثر من سبعين عاما في سرعة البرق، وخلال شهور كان عتاة الرأسمالية والصهيونية يتسابقون إلى موسكو لمعاونة حكومتها للانتقال من النظام الاقتصادي الموجه إلى نظام السوق الحر. جاء المستثمرون والمستشارون وكان أغلبهم من يهود نيويورك للسيطرة وابتلاع خيرات الاتحاد السوفياتي الذي سرعان ما تحول إلى الاتحاد الروسي بعد أن خرجت مناطق شاسعة وشعوب كان يضمها النظام السابق، لكن المفاجأة والغزوة الغربية لم تفقد قيادات روسيا عقولها إلا فترة وجيزة رأت أن بلادها ستضيع وتنهش تحت أنياب الغزاة، وأن عملاً لا بد أن يُعمل لاسترداد السيادة، فكان لهم هذا، وتحملت هذه القيادات مهمة لملمة ما ضاع واستعادة قوة الاتحاد الروسي وبناء تحالفات مع كثير من الأقاليم التي انفصلت، واستعادة مكانة الاتحاد الروسي في التوازن العالمي.
صحيح أن الكتلة الشرقية وبالذات بلدان أوروبا الشرقية لم تعد للاتحاد، ولكن تمت استعادة كل الأسلحة النووية واسترد الاتحاد الروسي مكانته كقوة عظمى، وتغيرت الأيديولوجية، وأصبح الاتحاد الروسي منافساً في الأسواق الحرة، بل منافساً على مناطق الثروات، ومنسقاً مع الدول العظمى على كثير من أمور، لكنه ظل مستقلا وفاعلا ومنافسا يحسب له ألف حساب.فماذا عن غورباتشوف العرب؟ وما استراتيجيته وأهدافه وقوته التي يدعو للتغيير من أجلها؟ هل لديه خطة ترفع من شأن العرب وتقضي على التبعية وتحقق أحلام الأمة العربية بالعزة والكرامة وبناء أمة متطورة؟ وهل يدرك غورباتشوف العرب أن الدول العظمى لا تحترم الظلم والقهر والفساد والتلاعب بمستقبل الشعوب؟ وهل يدرك كما أدرك بوتين أن التسليم للغرب لن يمنحه الأمان وأن أهداف الصهيونية هي السيطرة وتحقيق أحلامها في إنشاء الوطن اليهودي، ولم يعد من النيل إلى الفرات إنما من الخليج العربي إلى النيل، وأن ثروات الجزيرة العربية لو تم لهم السيطرة عليها فإنهم سيحكمون العالم؟ فهل يدرك غورباتشوف العرب هذا؟ حتى الآن دم العرب ينزف في اليمن والعراق وسورية وليبيا، وتنزف معه كل ثروات العرب بتشجيع ودعم ممن يريد إضعافنا وإذلالنا وإضحاك البشرية علينا، فما زال غورباتشوف العرب يتصرف بعنجهية وتفرد وكأن ملايين العرب غير معنيين بما يفعله. ملايين العرب لا تنظر لهم قياداتهم بأي نوع من الاحترام، وتركوا غورباتشوف يقرر مستقبل الأمة دون كلمة حق إلا باستحياء من البعض فإلى أين نحن ذاهبون؟ قيادة الاتحاد الروسي استطاعت في فترة قصيرة استرداد جل ما ضاع منها، فهل نتوقع "بوتين" عربياً يوقف تدهور الأمة قبل انهيارها ويعيد لها مجدها ويبني مستقبلها؟ بوتين روسيا اعتمد على شعبه في استرداد ما ضيعه غورباتشوف، فهل يقوم لنا بوتين عربي يوقف خطط غورباتشوف العرب؟بوتين روسيا وحد الأمة وجندها خلف خططه، فهل سيأتي بوتين عربي يوقف هذه المهازل، ويعيد لحمة الشعب العربي ويحفظ دماءه واسترداد قوته؟
مقالات
غورباتشوف العرب!
03-02-2019