طرد المراقبين بالخليل استخفاف بالمجتمع الدولي
قرار الحكومة الإسرائيلية طرد المراقبين الدوليين من مدينة الخليل بعد خمسة وعشرين عاما من وقوع مجزرة الحرم الإبراهيمي يحمل دلالات ومعاني خطيرة، فبعثة المراقبين الدوليين أو ما يسمى (TIPH) أنشئت بعد مجزرة الحرم الإبراهيمي التي ارتكبها الإرهابي الإسرائيلي باروخ غولدشتاين، وكان إرسال هذه البعثة أقل بكثير مما طالب به الفلسطينيون بطرد المستعمرين المستوطنين من مدينة الخليل، وإرسال قوات حماية دولية للأراضي المحتلة، وخاصة الى الخليل، لحماية الفلسطينيين من بطش المستعمرين وجيش الاحتلال الذي يرعاهم ويسلحهم ويحميهم.وهكذا استعيض عن قوات الحماية الدولية بمجرد مراقبين من أربع دول أوروبية بالإضافة إلى تركيا، مهمتهم المراقبة وتقديم التقارير دون أن يستطيعوا حتى حماية أنفسهم من المستوطنين. التاريخ وحده سيقرر إن كانت الجهات المفاوضة من الجانب الفلسطيني قد فوتت فرصة تاريخية لطرد المستعمرين من مدينة الخليل، في وقت كان العالم فيه مصعوقا من هول جريمة الإرهاب الإسرائيلية التي طالت مئة وخمسين مصليا، استشهد تسعة وعشرون منهم، وهم راكعون يؤدون الصلاة، وكل ذلك بعد الاحتفالات البهيجة بتوقيع اتفاق أوسلو، وما بشر به من سلام قادم! والبروتوكول الذي جاء بموجبه هؤلاء المراقبون، أصبح ملحقا رسميا من ملاحق اتفاق أوسلو، وبالتالي صار جزءا منه.
القرار الإسرائيلي بطرد المراقبين الدوليين يعني أولا إتاحة الفرصة للمستعمرين المستوطنين المعروفين بشراستهم بالبطش بأهل الخليل دون حسيب أو رقيب، وبالتالي فإنه يمثل تشجيعا للمستوطنين على تصعيد جرائمهم ضد سكان البلدة القديمة في الخليل. وهو يعني ثانيا تهديد الوجود الفلسطيني والإسلامي في الحرم الإبراهيمي، وحق الفلسطينيين في ممارسة شعائرهم الدينية فيه، وهو يعني ثالثا أن إسرائيل ألغت رسميا من جانب واحد اتفاق أوسلو وملحقاته، بعد أن ألغت كل التزاماتها فيه من الناحية العملية، ولم يبق من أوسلو إلا الالتزامات المفروضة على الفلسطينيين. وقرار طرد المراقبين يعني رابعا أن إسرائيل تتعمد توجيه إهانة للدول المشاركة في بعثة المراقبين الدوليين وهي النرويج وسويسرا والسويد وإيطاليا وتركيا، وهو قرار يأتي في وقت تتصاعد فيه الجرائم المرتكبة ضد الفلسطينيين من قبل المستعمرين المستوطنين ومن قبل جيش الاحتلال، حيث يُقتل الفلسطينيون بدم بارد ودون مبرر، ودون مساءلة، كما جرى للشهداء حمدي النعسان في المغير ولحمدان العارضة في قلب مدينة البيرة ولصالح البرغوثي، والطفلة سماح مبارك في القدس، ولمئة وثمانين شهيدا في مسيرات العودة في قطاع غزة.وكأن المستوطنين وجنود الاحتلال يمتلكون رخصة مفتوحة لقتل أي فلسطيني أو فلسطينية حيثما يشاؤون، وأينما يشاؤون، ولم يكن لهذه الوقاحة أن تصل إلى هذا المستوى لولا الصمت الدولي والتعتيم الإعلامي على جرائم المستعمرين والمحتلين، ولولا قناعة المجرمين بأن جرائمهم ستمر دون محاسبة أو عقاب، ولولا تواطؤ جهاز القضاء الإسرائيلي مع كل هذه الجرائم. والسؤال هنا: ماذا ستفعل الدول الخمس التي طُرد مراقبوها؟ وماذا ستفعل الأمم المتحدة إزاء الاستهتار بها؟ وماذا سيفعل رعاة اتفاق أوسلو بعد أن مزقته إسرائيل المرة تلو الأخرى؟لن تردع هذه الجرائم إلا بمقاومتها، ولن تتوقف هذه الممارسات ما لم يعاقب ويقاطع من يرتكبها، وما من مجرم ارتدع ما لم يعرف أن هناك ثمنا لجرائمه.* الأمين العام لحركة المبادرة الوطنية الفلسطينية