بعد أكثر من 17 سنة على الغزو الأميركي لأفغانستان، لا يزال هذا البلد في حالة حرب. يبدو الجيش الأفغاني ضعيفاً، وبدأت حركة «طالبان» المتمردة تطلق اعتداءات جديدة، ولا تشمل مفاوضات السلام الأخيرة «كابول». لذا يبقى السلام بعيد المنال...جلس المُلا نيازي على قمة جبله بانتظار أنباء من قادته عن مقاتليه واقتراب تحقيق النصر. يعيش في قلعته في هذا المكان، الذي لا تمر فيه أي دراجات نارية أو سيارات أو دبابات، منذ سنتين ونصف السنة. ينتظر حكم الله كي ينزل مجدداً إلى شوارع أفغانستان، كما اعتاد أن يفعل حين كان المتحدث باسم مؤسس حركة «طالبان»، المُلا عمر. يبدو أن صبره بدأ يعطي ثماره.صعد مقاتلو نيازي الذين تولوا اصطحابنا إليه على آخر منحدر. لم نكن نسمع إلا صوت لهاث المقاتلين وخشخشة معدنية تصدرها أحزمة الذخائر حين تحتكّ بأسلحتهم الرشاشة.عدا أصوات مجموعتنا، عمّ الصمت تلك الجبال الواقعة في جنوب شرق مدينة «هراة» المعروفة محلياً باسم «هفت دربند». كان المُلا نيازي يقبع هناك بانتظار استرجاع ما سلبه الأميركيون من «طالبان»: السيطرة على أفغانستان. لم يسبق أن بدت الأوضاع إيجابية بالنسبة إلى هذه الحركة الأصولية الإسلامية في آخر 17 سنة بقدر ما هي عليه اليوم. كان نيازي محاطاً برجاله المدججين بالسلاح ووقف مبتسماً على مدخل قلعته. كان يرتدي سترة سوداء فوق لباس «سلوار كاميز» التقليدي ويضع عمامة سوداء. كانت لحيته الرمادية الطويلة مقسومة إلى نصفين من الأسفل. فقال: «الأميركيون ما عادوا أعداءنا. لقد انسحبوا وخسروا». التفاصيل من «شبيغل»...
تواصلت الحرب في أفغانستان في آخر 41 سنة، لكنها أصبحت دموية أخيراً أكثر مما كانت عليه منذ فترة طويلة. أحرزت حركة «طالبان» التقدم، إذ تسيطر الحكومة راهناً على 55 % من ولايات البلد فقط، وفق أحد التقارير الأميركية. كذلك، أسقط الجيش الأميركي القنابل في العام الفائت أكثر مما فعل في السنوات العشر السابقة، وشهدت المدن الكبرى اعتداءات متكررة.على صعيد آخر، قُتل أكثر من 45 ألف جندي وشرطي أفغاني منذ عام 2014 وفق الرئيس أشرف غني، وأعلنت الأمم المتحدة في أول تسعة أشهر من العام الفائت عن مقتل أو إصابة 8050 مدنياً. وفي الأسبوع الماضي، أدى هجوم انتحاري من تنفيذ «طالبان»، في قاعدة تعود إلى وكالة الاستخبارات الأفغانية في ولاية «وردك»، إلى مقتل أكثر من مئة شخص.إطار اتفاق السلام
يسيطر عناصر «طالبان» أو أمراء حرب آخرون على عدد كبير من ولايات أفغانستان التي يبلغ عددها 34. لكن في «كابول»، أصبح أمراء الحرب وأبناؤهم جزءاً من البرلمان. كذلك، تشهد زراعة الخشخاش ازدهاراً ملحوظاً، ولا يزال الجيش الأفغاني ضعيفاً. اليوم، حتى أمير الحرب السابق قلب الدين حكمتيار يسعى إلى تولي منصب الرئاسة، علماً بأن الميليشيا الخاصة به كانت حاصرت «كابول» وقتلت الآلاف خلال الحرب الأهلية الأفغانية. أعلن الأخير ترشحه للانتخابات في يوليو المقبل منذ بضعة أيام.كانت الولايات المتحدة تحث الحكومة الأفغانية على المشاركة في عملية السلام منذ أشهر، وشملت تلك المساعي خطط ديسمبر التي تقضي بسحب حتى 7 آلاف جندي. في تلك الفترة، وافق المسؤولون الأميركيون وقادة «طالبان» مبدئياً على وضع إطار لاتفاق السلام، على أن تضمن «طالبان» بموجبه عدم استعمال الأراضي الأفغانية كقاعدة للإرهابيين. قد تؤدي هذه الخطة إلى انسحاب القوات الأميركية بالكامل، إذا وافقت «طالبان» أيضاً على وقف إطلاق النار وخوض محادثات مع الحكومة الأفغانية. لكن لم توافق «طالبان» رسمياً بعد على هذه الخطوات.مع ذلك، تبدو فرص إرساء سلام حقيقي محدودة. طرح الرئيس غني خطة سلام مستحدثة في نوفمبر الفائت وفرض فيها بعض الشروط. أولاً، يجب أن توافق «طالبان» على أن تكون جزءاً من مجتمع ديمقراطي. ثانياً، يجب أن تحترم دستور البلد. ثالثاً، يجب أن تصون حقوق المرأة.تتعلق إحدى المشاكل القائمة برفض «طالبان» التفاوض مع الحكومة الأفغانية باعتبارها «دمية» بيد الآخرين، مع أنها تشارك في المحادثات مع الولايات المتحدة، وباكستان، والمملكة العربية السعودية، والإمارات العربية المتحدة، وروسيا. لكن برزت خلافات داخل صفوف «طالبان». في «كابول»، يتجادل السياسيون حول هوية الأطراف التي يجب أن تشارك في المفاوضات ونوع اتفاق السلام الذي يجب إبرامه في نهاية المطاف.يظن أحد الخبراء في الأمم المتحدة أن «طالبان» تعمل على تحقيق انتصار عسكري وأنها ستأخذ بثأرها في النهاية. لكن من المستبعد، بحسب رأيه أيضاً، أن تتمكن «طالبان» من الاستيلاء على أكبر المدن الأفغانية.نظر المُلا نيازي إلى القمم المتعرجة أمامه في إشارةٍ إلى موقع مدينة «هراة» التي تقبع في ظل الجبال. تُعتبر بلدته الأم معقلاً للتجارة وبوابة نحو إيران. قال نيازي: «إذا لم تُسبب قوات حلف الأطلسي أي مشاكل، سنفرض كامل سيطرتنا خلال سنة. يمكن عقد مفاوضات سلام حقيقية حينها».الأعداء الحقيقيون
كان المخيم التابع لوحدته ظاهراً وراءه وشمل نحو 40 خيمة: إنها عبارة عن مساكن منخفضة ومصنوعة من حجارة خشنة وطين، وكانت السطوح مدعومة بأعمدة خشبية سميكة بقدر ذراع رجل. كان بعضها مزوداً بألواح شمسية. في أعلى إحدى الخيم الواقعة على طرف منحدر صخري، وُضِع سلاح رشاش وسط أكياس رمال وجلس قادة في الداخل وهم يرتدون معاطف رثّة وسترات صوفية فوق ملابسهم التقليدية. كان الشتاء بارداً في ذلك المكان الواقع على علو أكثر من ألف متر. وسط الغرفة، وُضعت مدفأة صغيرة تعمل بالغاز وكانت تبث وهجاً برتقالي اللون.يوجّه نيازي ومقاتلوه جهودهم راهناً ضد الأعداء الحقيقيين الذين يتمثلون بـ»القوى المدعومة من الباكستانيين والروس والإيرانيين، أي «طالبان» الأخرى» بحسب قوله. في النهاية، حتى «طالبان» تأثرت بمرض الانقسام الذي استولى على البلد كله. بعد موت مؤسس «طالبان»، المُلا عمر، نجح الباكستانيون في تنصيب مرشحهم، المُلا منصور، خلفاً له. يقول نيازي: «أدركنا أن باكستان تناور سعياً إلى توسيع نفوذها، لذا دعوناهم إلى اجتماع وطلبنا إليهم أن يسيطروا على جنودهم بنفسهم. حصل الانقسام حينها. نحن نقاتل ضدهم الآن».تُموّل جماعته نفسها عن طريق الضرائب حصراً بحسب ادعاءاته. ويقول منتجو الأفيون في المنطقة إنهم مضطرون إلى التخلي عن عِشر المخدرات التي يصنّعونها.لا يزال أسلوب نيازي يوحي بأنه متحدث باسم حكومة، لا باسم آلاف المقاتلين الملتحين. بالنسبة إليه، كانت «طالبان» مجرّد أداة لإعادة إرساء القانون والنظام حين انسحب السوفيات من أفغانستان خلال التسعينات وغرق البلد في حرب أهلية دموية. أصبح المتحدث باسم المُلا عمر حينها. وخلال السنوات التي حكمت فيها «طالبان» البلد، كان نيازي حاكماً لولاية «كابول»، ثم «بلخ» شمالاً، حيث كان مسؤولاً جزئياً عن ذبح آلاف الناس في عام 1998، علماً بأن عدداً كبيراً منهم كان ينتمي إلى جماعة «الهزارة» التي تشكّل أقلية شيعية في البلاد.اليوم، يُقال إن نيازي يقود نحو 8 آلاف مقاتل انشقوا في عام 2015. عقدوا ما يشبه اتفاقاً ثابتاً مع الحكومة. تعتبر وكالة الاستخبارات المحلية من جهتها أنها تُرسّخ الشرخ القائم بكل قوة لإضعاف «طالبان».وفق تقديرات الأمم المتحدة، يتراوح عدد مقاتلي «طالبان» في البلد بين 80 و90 ألف عنصر. في المقابل، تشير تقديرات وكالة الاستخبارات الأفغانية إلى أن عددهم أدنى من سبعين ألفاً بقليل.الاندماج في مجتمع ديمقراطي
يطرح الخلاف القائم في صفوف «طالبان» مشاكل من شأنها أن تعوق أي اتفاق سلام محتمل، إذ من المستبعد أن تسلّم كل جماعة أسلحتها. يهتم قادة كثيرون بمصالح اقتصادية معيّنة، وحتى لو عمدت باكستان، تحت الضغوط الأميركية، إلى إجبار قيادة «طالبان» على إبرام اتفاق، لا شيء يضمن أن تفرض باكستان الدرجة نفسها من الضغوط على القادة الميدانيين.ألقى نيازي نظرة على هاتفه الذكي ثم على هاتف خلوي قديم. في جواره وُضِع جهاز استقبال قديم وقصير الموجات، فضلاً عن بندقيته. تسلل ضوء باهت من ثقبَين في الجدار. قال نيازي: «تتألف الحكومة من أفغان مثلنا. حين نسترجع السيطرة، يجب أن يحلّ الأفغان مشاكلهم في ما بينهم».لكن مثل الجماعات الأخرى، من المستبعد أن توافق جماعة «طالبان» التابعة لنيازي على شروط الرئيس غني، أي تطبيق الدستور والاندماج في مجتمع ديمقراطي. أكد نيازي أنهم لا يوافقون على الدستور ولا الديمقراطية: «يتعارض كلاهما مع الإسلام. نريد أن نطبّق الشريعة الإسلامية بحذافيرها».بعبارة أخرى، يجب أن تُقطَع أيادي اللصوص، ويُرجَم الزناة حتى الموت، وتُقطَع رؤوس القتلة، وإلا لا يمكن السيطرة على الأفغان، بحسب نيازي. فشلت ملايين الدولارات من الخارج في السيطرة على الجرائم والفساد في أفغانستان. وحدها الشريعة قادرة على تحقيق هذا الهدف من وجهة نظره: «إذا تمكنا من إرساء السلام بفضلها، أين المشكلة»؟اعتبر نيازي أن المفاوضات الحاصلة بين ممثلين عن الحكومة الأميركية وكبار المسؤولين في «طالبان» في الإمارات العربية المتحدة وقطر غير نافعة: «حين تقول الولايات المتحدة إننا سنجد حلاً على طاولة المفاوضات، هي تكذب». باختصار، تكثر الجماعات والمصالح المرتبطة بهذا الملف. تمتم القادة المحيطون بنيازي كلمات تشير إلى أنهم يوافقونه الرأي.لا يتعاطف نيازي مع الأشخاص الذين يخشون خسارة ما حاربوا من أجله إذا شقّت «طالبان» طريقها نحو الحكومة. أضاف قائلاً: «النساء كائنات حساسة، من ثم لا قوة لهنّ للقتال أو البناء أو حمل الأوزان الثقيلة. الأوروبيون أطلقوا هذه الظاهرة. إنها طريقتهم لقمع النساء. نحن نحافظ عليهنّ مثل الأزهار... في المنزل».غياب الثقة
أنهى نيازي الاجتماع بعد ساعتين تقريباً وفضّل أن نغادر. قال ابن أخيه، القائد محمد نعيم، ونحن نعبر ممراً ضيقاً في أسفل الجبل إنهم يثقون برجالهم، لكن لا بد من توخي الحذر مع الأجانب الذين يستطيعون تأمين فدية ضخمة. حتى أنهم لا يثقون بالقادة الآخرين في الحركة في ظل هذه الظروف.انتشر رجاله أمامنا لتأمين المنطقة، سيراً على الأقدام في البداية، ثم ركبوا بعد فترة دراجات نارية صغيرة ووضعوا بطانيات على مقاعدها وكأنها خيول جبلية. أخيراً، ركبنا عربتين متضررتين وتوجهنا نزولاً نحو مجرى نهر جاف فيما سار رجال مسلحون خلفنا.على الطريق الرئيس نحو «هراة»، أوقف ضابط شرطة السيارة ونظر باستياء إلى محمد نعيم وأشار إلى أسلحته وراح يصرخ. غيّر نعيم وجهته وعاد إلى نقطة التفتيش حيث اعتذر رئيس الشرطة إليه على موقف ذلك الضابط. ابتسم نعيم وتابع طريقه، مع أسلحته الوافرة، نحو معقل التجارة الذي يحلم قائده، المُلا نيازي، بالسيطرة عليه يوماً.أعلنت حركة «طالبان» أن هذا الشتاء سيكون دموياً. في ديسمبر الفائت، سافر وفد حكومي إلى أبو ظبي للتفاوض مع ممثلين عن «طالبان»، لكنهم تعرضوا للصد. بدأت نجاحات «طالبان» العسكرية محلياً، فضلاً عن خطط ترامب بسحب جنوده، تغيّر ميزان القوى في البلاد.لا تزال مظاهر القانون والنظام هشة للغاية في هذا البلد. وفق مسؤول مرموق سابق في الاستخبارات، تتعدد المؤشرات التي تثبت حصول تفكك في أوساط القوى الأمنية الأفغانية في ولايات مختلفة، ويُقال إن القادة يخططون لنقل عائلاتهم إلى أماكن آمنة، أو يمتنعون عن أي تحرك بكل بساطة، كما يحصل في «هراة». بدأ الجيش الأفغاني يخسر رجاله بما يفوق العدد الذي يمكن استبداله عن طريق تجنيد عناصر جدد، إذ بلغ عددهم نحو 400 خلال بضعة أسابيع.كذلك، يقول مدرّب عسكري في حلف الأطلسي إن ثلث الجنود الأفغان يتعاطى المخدرات في معظم الأوقات، ما يجعله غير نافع. ولا يفهم ثلث آخر ما يطلبه المدرّبون منه. وحده الثلث الأخير يتمتع ببعض القدرات الواعدة، لكن يدرك هؤلاء أن المسؤولين عنهم، في غالبيتهم، اشتروا مناصبهم، ما يعني أن فرص ترقيتهم ضئيلة. من ثم، لا يحمل الثلث الأخير من الجنود أي دوافع للقتال.وفد بديل
يمكن اختصار الوضع في أفغانستان، بعد 17 سنة على الغزو الأميركي، بما يلي: جيش ضعيف، واعتداءات متواصلة من «طالبان»، وحكومة غير مقبولة حتى الآن كشريكة في المفاوضات.تحاول فوزية كوفي، نائبة مستقلة في البرلمان الأفغاني ورئيسة هيئة حقوق الإنسان فيه، إيجاد وفد بديل للمشاركة في المفاوضات. ركبت هذه السياسية البالغة من العمر 43 عاماً في سيارتها المصفّحة من طراز «لاند كروزر» وأغلقت النوافذ. كانت تضع على رأسها حجاباً زهرياً يغطي جزءاً من شعرها. تريد أن يمثّل الوفد الذي سيشارك في المفاوضات جميع فئات المجتمع وانتماءاته الإثنية، بدءاً من جماعات البشتون والطاجيك، وصولاً إلى الأوزبك والهزارة. هي تنتمي إلى جماعة الطاجيك وترى ضرورة تشكيل وفد مؤلف من 50 أو 60 رجلاً وامرأة، على أن يشمل ناشطين ومدافعين عن حقوق المرأة.أحاط رجال يحملون البنادق ويرتدون سترات عسكرية بالمركبة لوقت قصير في ذلك اليوم من شهر ديسمبر، قبل أن ينطلق الموكب. كانت كوفي تشعر بالإرهاق، إذ دائماً ما تكون أيامها طويلة ومتعِبة. لا يسهل أن تنخرط المرأة في معترك السياسة في أفغانستان. قالت فيما كانت المنازل في حي «شيربور» الغني في «كابول» تتحرك وراء نافذة السيارة: «أشعر بخيبة حقيقية لأن الأطراف كافة تشارك في عملية السلام، أي باكستان والولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية، باستثناء الشعب الأفغاني أو حتى حكومته».أضافت كوفي، فيما كانت تمرّ في هذه المدينة التي تختبئ وراء جدران محصّنة وأسلاك شائكة: «يجب أن يشتق السلام من الشعب الأفغاني بدل عدد ضئيل من المسؤولين الحكوميين. يجب أن يشعر الجميع بأنهم جزء من هذه العملية». هي تدرك حقيقة المخاطر المطروحة كونها تتحدر من ولاية «بدخشان» المحافِظة النائية في شمال شرق البلاد، كذلك تفهم طبيعة القوى التقليدية التي تحكم أرياف أفغانستان. رُزق والدها بـ23 ولداً من سبع زوجات. وفي يوم ولادتها، وضعتها القابلة تحت الشمس طوال يوم كامل. كان يُفترض أن تموت لأنها لم تولد ذكراً. بالكاد نجت من الموت!حين ترشحت لمنصب سياسي للمرة الأولى، عمد أشقاؤها إلى تمزيق ملصقات حملتها الانتخابية كي لا يرى أحد وجه شقيقتهم.تعرف كوفي أن حركة «طالبان» تدعم هذا الشكل من أفغانستان القمعية وأن إنشاء مستقبل مشترك معها شبه مستحيل. كذلك تدرك نوع الحكم الذي تفرضه «طالبان». لا تزال تتذكر ما حصل حين اجتاحت الحركة «كابول» في سبتمبر 1996، فتحوّلت حينها من طالبة جامعية إلى سجينة: ضربوها وسجنوها في منزلها ثم اعتقلوا زوجها لاحقاً. تتذكر كوفي أيضاً عمليات الإعدام التي ارتكبتها الحركة.وصية وتعهد
تعرف كوفي أن حركة «طالبان» عدوّتها.تتكدس التقارير التي تصدرها وكالة الاستخبارات الأفغانية على مكتبها منذ سنوات. سقطت القنابل في محيطها وتعرّض موكبها لإطلاق النار. حتى أنها علقت في إحدى المرات داخل سيارتها طوال 30 دقيقة أثناء هجوم «طالبان» عليها. وفي مناسبة أخرى، كتبت رسالة إلى بناتها قبل أن تشارك في مناسبة مرتبطة بحملتها الانتخابية. كانت الرسالة عبارة عن وصية وتعهد.لكن تدرك كوفي أيضاً أن مستقبل أفغانستان مستحيل من دون «طالبان»، إذ لم تُهزَم الحركة بعد 17 سنة من القتال. كانت في طريقها لمقابلة وزراء سابقين في الحكومة ومناقشة خطتها معهم، مع أن الرئيس غني لا يؤيدها. والأخير معروف بعناده وأنانيته، وقد أخبرها بأنه معجب بمبادرتها ولكنه يصرّ على أن تقود الحكومة وحدها المفاوضات.بحسب قولها، ترغب «طالبان» في تغيير الدستور وفرض سيطرتها وتريد أن تخضع أفغانستان لها. أضافت كوفي: «لو فكّر غني بطريقة منطقية، كان ليقبل اقتراحنا لأن «طالبان» لا تريد التحاور معه». هي تشعر بقلق من انسحاب الأميركيين بكل بساطة من أفغانستان «من دون اتخاذ أي خطوات لحماية حرية التعبير وحقوق المرأة».في اليوم التالي، انتشرت أنباء مفادها أن الولايات المتحدة تفكر بسحب نصف جنودها المتمركزين في أفغانستان ويبلغ عددهم 14 ألف عنصر. لطالما كان انسحاب القوات الأميركية جزءاً من مطالب «طالبان».وصلت كوفي إلى منزل جاويد لودين، رئيس الأركان السابق في عهد حامد كرزاي، في حي «وزير أكبر خان» الراقي. في الداخل، انتظرها عدد من الرجال لاستقبالها. في طريقها إلى هناك، قالت: «إذا تابعت الولايات المتحدة و«طالبان» تجاهل الشعب الأفغاني والإنجازات المُحققة في آخر 17 سنة، لا مفر من أن تبدأ حرب جديدة. ستكون هذه الحرب أكثر خطورة بكثير لأن جميع الأفرقاء يملكون الأسلحة اليوم».كما حصل في مناسبات متكررة من تاريخ البلد، ستقرر القوى الخارجية مجدداً مستقبل أفغانستان. لم يتّضح بعد ما إذا كانت باكستان تريد استعمال نفوذها على «طالبان» لإرساء السلام. تبدو الحكومة الأميركية مهتمة باستعمال اتفاق السلام كجزءٍ من حملتها الانتخابية بدل أن تسعى إلى تحقيق مصلحة الشعب الأفغاني. أما حركة «طالبان»، فتأمل حتى الآن بأن تتمكن يوماً من استرجاع كامل سيطرتها على البلد كله.ماذا عن المُلا نيازي، قائد «طالبان» في الجزء الغربي من البلاد؟ حين سُئل عن انسحاب القوات الأميركية المحتمل من أفغانستان، أجاب بكل بساطة: «ستندلع حرب أهلية جديدة»!
* فريتز شاب وسيرجيو رامازوتي