لماذا ستضر بريكست بأوروبا؟

نشر في 04-02-2019
آخر تحديث 04-02-2019 | 00:00
 بروجيكت سنديكيت إن الزمن يمضي بسرعة باتجاه 29 مارس وهو موعد خروج المملكة المتحدة من الاتحاد الأوروبي، وسواء كان بريكست "ناعما" أم "قاسيا" فإن المملكة المتحدة مرشحة لأن تتعرض لفترة من الاضطرابات الاقتصادية الشديدة، ولكن بريطانيا نجت من أزمات أكبر من بريكست بكثير وستتغلب على هذه أيضا في وقت ما، وبالنسبة إلي فإن السؤال الحقيقي هو ماذا تعني بريكست لمستقبل أوروبا؟

ومن شبه المؤكد أن "الفكرة الأوروبية" ستبقى، فالاتحاد الأوروبي لن يتفكك في أعقاب بريكست وسيتغلب على التأثيرات السلبية لخروج المملكة المتحدة، ولكن بريكست سيضر بالدور الأوروبي في العالم بشكل نحن- الأوروبيين- غير قادرين حاليا على استيعابه، فقرار إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب الأخير بتخفيض مستوى التمثيل الدبلوماسي لبعثة الاتحاد الأوروبي في واشنطن ربما يعتبر بمثابة جرس إنذار لما قد يحصل مستقبلا.

والخلفية الجيوسياسية لبريكست لا يمكن تجاهلها، ويمكن أن تؤدي دوراً كبيراً في تحديد تأثير بريكست على الاتحاد الأوروبي، وإن الحقيقة الأكثر بروزا هي أن توازن القوى السياسي والاقتصادي في العالم يتحرك من المحيط الأطلسي إلى المحيط الهادي، وهو توجه لا يمكن أن نلقي اللوم بشأنه على شعبويين مثل ترامب، ففي واقع الأمر الرئيس باراك أوباما هو الذي قال إن الولايات المتحدة الأميركية هي دولة "محيط هادي" عوضا عن دولة محيط أطلسي في حين كان من سبقوه يعتبرون الولايات المتحدة لاعبا عابرا للأطلسي، ومن الممكن أن نعيش اليوم في عالم يخلو من الدول العظمى المسيطرة بحيث لا توجد قوة واحدة تتولى المسؤولية العالمية، وإن غدا قد يحمل لنا عالما يتكون من قطبين، حيث تتنافس الولايات المتحدة الأميركية والصين على الهيمنة العالمية.

وإن الأوروبيين بمن في ذلك البريطانيون يواجهون سؤالا يتعلق بكيفية المحافظة على سيادتنا بين مراكز القوى الجديده والمتنافسة، وربما باستثناء السياسات المناخية، فإن أوروبا هي بالفعل المتفرج على معظم الصراعات والقضايا الدولية، وهذا يتضمن الاستئناف الذي يلوح بالأفق لسباق التسلح النووي، حيث يبدو أن ترامب وفلاديمير بوتين مصممان على ذلك، بالإضافة إلى الاضطرابات العنيفة في الشرق الأوسط، وإن مجموعات الثوار التي تقاتل الرئيس بشار الأسد وعوضا عن تلجأ لأوروبا في مواجهة إعلان ترامب سحب القوات الأميركية من سورية، فإنها قررت أن تلجأ إلى روسيا وتركيا.

بعد بريكست قد نجد أنفسنا في وضع أكثر خطورة لأن العالم سينظر إلى الأوروبيين على أنهم أكثر ضعفا، وحيث إننا غير قادرين على العمل معا بشكل جاد، ووضع إطار لمصالحنا، فإن جهودنا لإقناع الآخرين بنظرتنا للعالم تبدو خادعة، وبالإضافة إلى ذلك ومع وجود بريكست فإن الاتحاد الأوروبي سيخسر عضواً يتمتع بشبكات دبلوماسية تمتد قرونا عديدة وقوة اقتصادية ونووية بالإضافة إلى قوة عسكرية من الطراز الأول.

فكل هذا يدعونا لاستغلال الأسابيع المتبقية حتى 29 مارس، وربما بعد ذلك التاريخ من أجل السعي للتوصل الى حلول وسط، قد تحد من الضرر الذي قد ينتج عن بريكست، وإن من الواضح أن احتمالات النجاح تبدو ضعيفة، فبالنسبة إلى معظم المعارضة من حزب العمال البريطاني فإن أوروبا أقل أهمية بكثير من الإطاحة برئيسة الوزراء تيريزا ماي.

وإن العديد من أعضاء حزب المحافظين الحاكم (وللأسف بعض أعضاء حزب العمال أيضا) سيحققون هدفهم المتعلق ببريكست من خلال عدم عمل أي شيء، كما أن الحصول على أغلبية برلمانية للتوصل لبريكست "ناعم" عن طريق التفاوض لا يبدو خيارا محتملا؛ لأن ذلك سيترك مستقبل المملكة المتحدة بأكمله في أيدي الاتحاد الأوروبي، وذلك عند التفاوض على بنود البقاء ضمن السوق المشتركة.

إذاً، ماذا يجب أن يفعل الأوروبيون؟ ربما يحق لنا أن نشير بعد أن نهز أكتافنا إلى أن بريطانيا وضعت نفسها في هذا المأزق بسبب السلوك الضعيف لنخبها السياسية، ولكن هذا الموقف لن يساعد أحداً فالشعب البريطاني وأوروبا بكاملها ستعاني عواقب بريكست، وحتى نصل إلى حل يُبقي بريطانيا في أقرب وضع ممكن من الاتحاد الأوروبي، يجب على الأوروبيين أن يعترفوا أن ما يحصل بتاريخ 29 مارس يهمنا جميعا.

وعلى الأحزاب الديمقراطية الاجتماعية الأوروبية على وجه التحديد التواصل مع حزب العمال البريطاني وزعيمه المتشكك بأوروبا جيرمي كوربين، كما يجب على المحافظين والليبراليين الألمان مع الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون التواصل مع الحكومة الأيرلندية فيما يتعلق بالعواقب المحتملة لبريكست قاس، وخصوصا وضع نقاط حدود بين أيرلندا وأيرلندا الشمالية وعودة العنف للجزيرة.

لقد كان هدف التسوية الخاصة "المصد الخلفي" في اتفاقية الانسحاب التي توصلت إليها ماي مع الاتحاد الأوروبي هو منع حدوث ذلك، لكن البرلمان البريطاني رفض تلك الاتفاقية بأغلبية كبيرة بتاريخ 15 يناير.

ويجب على الأوروبيين أن يسألوا أنفسهم كذلك ما إذا كان بإمكاننا الموافقة على معاهدة أفضل بين الاتحاد الأوروبي والمملكة المتحدة، مقارنة بما لدينا حتى الآن، ربما هناك طرق أخرى لطمأنة بريطانيا بأنه سيكون هناك معاهدة لاحقة للمتابعة تكون مقبولة لكلا الطرفين، بحيث لا يمكن بموجب تلك المعاهدة أن يبقى أحد الأطراف رهينة للآخر بشكل دائم، وربما هناك مساحة للمناورة فيما يتعلق بحرية التنقل والحركة ضمن الاتحاد الأوروبي، وفي واقع الأمر ليس الحكومة البريطانية فقط، بل أيضا رؤساء البلديات ومجالس البلدات في ألمانيا يريدون أدوات أكثر وأفضل من أجل التخفيف من تأثير الهجرة على أنظمة الضمان الاجتماعي، فحرية التنقل والحركة لا تعني عدم إدارة هذه الحرية.

وبينما يقترب الموعد النهائي بتاريخ 29 مارس فإن على الاتحاد الأوروبي أن يوضح أن الساعة ستتوقف لو أرادت المملكة المتحدة المزيد من الوقت، وهذا لن يكون شيئا جديداً فيما يتعلق بالمفاوضات الدولية، وحتى تاريخ الانتخابات البرلمانية الأوروبية لهذا العام يجب ألا يكون عقبة لا يمكن تجاوزها.

لقد حان الوقت للإبداع السياسي بحيث يتم استغلال أي فرصة للنجاح مهما كانت احتمالية نجاحها ضئيلة، وإن ثمن بريكست فوضوي هو ثمن مرتفع جدا لا يمكن لأي شخص في أوروبا أن يقبله بكل سرور.

* وزير ألماني سابق للشؤون الخارجية وعضو

في البرلمان الأوروبي.

«زيغمار غابرييل»

back to top