روسيا تطور أسلحة حرب جديدة
تتدفق قصص الرعب العسكرية بقوة وسرعة من روسيا، تشمل إحداها بوسيدون، وهو طوربيد ضخم أو طائرة من دون طيار، إذ تسرّب روسيا بحماس التفاصيل عن مدى هذا السلاح وقوته، وقد يكون بعض هذه التفاصيل صحيحا، ومن الأسلحة الأخرى التي لا تُقهر، حسبما يُفترض، صاروخ فرط صوتي رائد سيدخل حيز الاستعمال هذه السنة.لا شك أن هذه الأسلحة وغيرها من الإضافات الجديدة إلى ترسانة الكرملين ستضع أمام وكالات الاستخبارات والمخططين العسكريين الغربيين الكثير للتفكير فيه، لكنها لا تبدّل الصورة الكبيرة، تبقى روسيا أضعف عسكرياً بكثير من الولايات المتحدة وحلفائها، ومن المؤكد أنها ستخسر في مطلق مواجهة شاملة، أما في الصراع النووي المتبادل الشامل فسنموت كلنا. لم يتبدّل هذا الواقع منذ الحرب الباردة، لذلك تقتصر أهمية الأسلحة الجديدة على الإطار المحلي: طُوّرت لتطمئن الروس إلى أن بلدهم لا يزال قوة عظمى وأن أموال الضرائب التي تُخصَّص للقطاع الصناعي العسكري تُنفَق بحكمة.لكن هدف روسيا الاستراتيجي ليس القضاء على الغرب بل احتواءه وتحجيمه من خلال تكتيكات "فرّق تسد" التي تطبقها، وتستغل هذه التكتيكاتُ الشقاق بين الدول (كما بين الولايات المتحدة وخلفائها الأوروبيين) والانقسامات والتوتر داخل تلك الدول، مثل التصدعات الإثنية، واللغوية، والدينية، والاجتماعية، كذلك يؤدي الاستقطاب السياسي، كذاك الذي تواجهه راهناً بريطانيا بشأن خروجها من الاتحاد الأوروبي أو الدول الأوروبية بشأن الهجرة أو الولايات المتحدة بشأن إدارة ترامب، دوراً في هذه المسعى.
لا دور يُذكر للأسلحة النووية في كل هذا، سواء كانت قديمة أو جديدة، ولا شك أن للتهويل العسكري مكانه، إلا أنه يبقى واحداً من تكتيكات كثيرة يستخدمها الكرملين لزرع الشقاق، وتشمل التكتيكات الأخرى الهجمات عبر الإنترنت، وعمليات المعلومات، وشراء النفوذ بالمال، واستخدام النظام القانوني (تُدعى هذه المناورة أحياناً "حرب القانون")، واستغلال صادرات الطاقة، وأعمال التخريب. وبدل أن نكتفي بالوقوف مذهولين أمام الأشياء البراقة اللامعة التي نراها على التلفزيون الروسي، من الأفضل أن نصب اهتمامنا على اكتشاف السبل الأنسب إلى التصدي للأسلحة التي تستخدمها روسيا فعلاً في الوقت الراهن.علينا أن نفكّر أيضاً في الجيل التالي من الأسلحة في هذا الشكل من الحروب غير الحركي وغير العسكري،فتشمل المخاطر الجديدة التي تهددنا تقنية deepfakes أو "الزيف العميق". ألفنا منذ سنوات تقنيات الصور المنشأة بالحاسوب التي يستعملها صانعو الأفلام، فكانت هذه التقنيات معقدة ومكلفة، بيد أنها صارت اليوم سريعة وقليلة الكلفة، ومن الممكن استغلال تقنية deepfakes هذه لجعل سياسي يبدو سخيفاً أو مخطئاً أو حتى إصدار أمر بالاستسلام. أما الخطر الثاني ذو الصلة فهو استعمال الذكاء الاصطناعي وتعلّم الآلات لابتكار تفاعلات إلكترونية شبيهة بالواقع يمكن استخدامها لأغراض سياسية أو عدائية، فمن الممكن، مثلاً، توليد فيض من الاتصالات الهاتفية، والرسائل النصية، ورسائل وسائل التواصل الاجتماعي الشبيهة بالواقع لتخويف الناخبين، أو تشتيت انتباههم، أو صوغ آرائهم.التكتيك الجديد الثالث super-doxxing أو "استقاء المعلومات الشخصية الخارق"، لا تُعتبر هذه التقنية جديدة، إلا أن موارد جهاز استخبارات بشري أو إلكتروني تابع لدولة قد يجعلها أكثر فاعلية وإزعاجاً، وقد يتخذ هذا التكتيك شكل تسريب معلومات شخصية أو استغلال نقاط ضعف أو مسائل محرجة على الأرجح في حياة الإنسان الشخصية، ومن الممكن تطبيق التقنيات ذاتها على أفراد العائلة.نصل أخيراً إلى التكتيك الرابع الذي يجب التنبه له: تعزيز استخدام المجموعات الاجتماعية المبعَدة، فمع تراجع الثقة الاجتماعية والعامة في المجتمعات الغربية، ينمو احتمال نشوء انقسام وانتفاضات، وقد لاحظنا روابط روسية مع حركات احتجاج، وميليشيات خاصة، وغيرها من المنظمات الاجتماعية والثقافية في الكثير من الدول الأوروبية، وقد يكون هدف ذلك تسييسها أو استخدامها لأغراض تخريبية.من المؤكد أنك لن ترى تغطية كبيرة لهذه الأسلحة على التلفزيون الروسي، ولكن فكّر في السبب.* إدوارد لوكاس* «مركز تحليل السياسة الأوروبي»