نظم مركز الشيخ جابر الأحمد الثقافي، أمس الأول، ضمن موسمه الثاني "جسور ثقافية"، أمسية حوارية ضمن فعاليات «حديث الاثنين»، تحت عنوان «صقر الرشود... حديث عن تجربته المسرحية الثورية»، وذلك في القاعة المستديرة بالمركز، وحاضر فيها الكاتب المسرحي عبدالعزيز السريّع ود. سليمان الشطي والفنان محمد المنصور.

أدارت الحوار باقتدار، مريم المحميد، واستهلت حديثها قائلة: "في ستينيات وسبعينيات القرن الماضي شهدت الكويت نهوض حركة مسرحية، عندما كتب صقر الرشود أول نص مسرحي غير مرتجل بعنوان (تقاليد) عام 1960، لفرقة المسرح الشعبي، لتتوالى بعد ذلك المسرحيات التي أنتجتها مسرح الخليج العربي الذي أسسه الرشود مع رفاقه عام 1963، وتلك الفرقة التي سميت بمسرح المعقدين، بمنزلة الانطلاقة نحو مسرح نوعي وفاعل، وضمت أهم الأعمال منها (حفلة على الخازوق)، إضافة إلى الأعمال ألفها رفيق دربه عبدالعزيز السريّع: الأسرة الضائعة، ولمن القرار الأخير، وضاع الديك، وفلوس ونفوس، فضلا عن التأليف المشترك بين الرشود والسريّع مثل (1، 2، 3، 4 بم) و(شياطين ليلة الجمعة)".

Ad

من جهته، تحدث الكاتب القدير عبدالعزيز السريّع عن صقر الرشود قائلا: "موضوع الرشود والمسرح، هو علاقة محبة، حيث كان يعشق المسرح، وقدّم في البداية ثلاث محاولات؛ الأولى مع المسرح الشعبي بقيادة محمد النشمي، ولم يكن مرتاحا من هذه التجربة، فأسس فريقا خاصا أطلق عليه المسرح الوطني واشتغل بعمل يتيم هو (فتّحنا)، لكن فشلت التجربة، وعزف بعد إصابته بنوع من اليأس، بعدها تلاقت مجموعة من الشبان في إذاعة الكويت لتأسيس مسرح الخليج العربي، وبعد الاتفاق سعت إلى ضم صقر الرشود كمؤسس، وتم إقناعه وارتبط بهم اسمياً، وبعد حضوره لإحدى بروفات زملائه بالفرقة انغمس معهم، وقدموا مسرحية (بسافر وبس)".

وأضاف: "كان صقر الرشود عنيفاً في البداية، لكنه بعد فترة أصبح متفاهما مع فريقه، إلى درجة علاقة المودة، بحيث أن جميع المتعاملين معه رحمه الله، كان يظن كل واحد منهم أنه الصديق المقرب والمفضل له، فالرشود هو المبدع الأكبر والقائد لفرقة مسرح الخليج، الذي تلتف حوله مجموعة تسانده من بينها سعاد عبدالله ومنصور المنصور والراحل محمد المنصور وسواهم من زملائنا، ولولاها لما تمكن من تنفيذ إنجاز مشروعه المسرحي".

وأشار السريّع إلى أن فرقة مسرح الخليج هي أول فرقة مسرحية أهلية أسست وفق القرار 24/ 1962، ثم المسرح العربي، والشعبي، والكويتي.

بدوره، قال د. سليمان الشطي عن مسرح الخليج: "إنه نموذج للحركة الثقافية في الكويت وقتذاك، إلى جانب الأعمال المسرحية، حيث كان في الفرقة نوع من النشاط الثقافي، حيث أصدرت مجلة (الكلمة) بستة أعداد، وهي لا تعنى فقط بالهمّ المسرحي، بل تحتوي أنشطة الشعراء من بينهم القامة الكبيرة علي السبتي، والرشود كان يكتب فيها أيضا، فالمجلة تعكس الواقع الثقافي، وتوزع 1000 نسخة منها مع كتيب العرض المسرحي، وهذه لها دلالة بأن هناك وعياً ثقافياً، حيث الرغبة بوضع أسس ثقافية، وكان الرشود عمدة من العمداء الأساسيين في هذه الحركة، إلى جانب كونه مخرجا ومؤلفا وقائدا مسرحيا".

وعن شخصية الرشود، قال الشطي: "صقر ذو شخصية متوهجة، وهي التي لديها شيء تريد أن تقوله، بعضها يحترق من الداخل، لذلك كان عدد من المخرجين الكبار المتوهجين يسابقون الزمن ويموتون شباباً ومبكراً، والرشود من هذا النوع المتوهج، الذي يحترق وكأنه يقرأ المستقبل، وأن الحيز الزماني حيز محدد، لكن ماذا لو حرم المسرحي من أن يواصل مشواره؟ هذا ما حدث معه عام 1966 بعد عرض (الحاجز) في الكويت وبغداد، حيث حصل الخلاف بعد النجاح الباهر، تفككت العلاقة، فغادرها الرشود لفترة بسيطة، لكن ماذا صنع في هذه الفترة؟ لأنه إنسان متوهج، فواصل دراسته ليحصل على الثانوية العامة، وأكمل الجامعة، وعمل مذيعاً تلفزيونياً وممثلاً إذاعياً، وراح يكتب المقالات ذات الصبغة الاجتماعية، وكتب قصتين ونشرهما، ثم عاد للمسرح وأخرج (لمن القرار الأخير) وقام بتكويت (المرة لعبة البيت) لهنريك إبسن".

من جانبه، قال الفنان القدير محمد المنصور: "كان الرشود متوقداً في عطاءاته واختياره للنصوص، وقائداً قوياً، ونحن توقدنا معه، وحرصنا معه على تقديم الإبداع، خاصة أن ثمة تنافسا بينا كمسرح الخليج والمسارح الأهلية الأخرى الشعبي والعربي والكويتي، كنا نقدم في الموسم المسرحي الواحد 4 مسرحيات، وفي (شياطين ليلة الجمعة) التي تعتمد على اللوحات، وكل لوحة تقدم قضية محلية مثل الاستثمار والصحافة والإنسان الانتهازي والوصولي، فالمسرح قوة ناعمة يضيء على القضايا السياسية والاجتماعية والاقتصادية بشكل خفيف ولطيف".

وحول غياب الموضوعات الجريئة في المشهد المسرحي أورد المنصور: "يعود ذلك إل غياب رجل المسرح، والآن الأمل المنشود من خلال الشباب في المهرجانات المسرحية فقط".

وقال المنصور عن دوره في "بخور أم جاسم": "أعطاني الرشود الحرية المطلقة في التعامل مع شخصية الخال الأبكم، عانيت وكنت قلقا، وقبل العرض بساعتين ذهبت إلى الحلاق في الجمعية مقابل مسرح كيفان، وناداني أحد الأشخاص كان معنا في أيام الكشافة (أطرم) درس في جامعة عين شمس بالقاهرة ثم عاد، فتحدثت بهذه الطريقة التي اقتبستها منه".

سعاد عبدالله: الحركة المسرحية لن تجود بمثله سنوات طويلة

الفنانة القديرة سعاد عبدالله قالت في مداخلة لها، إن صقر الرشود إنسان استثنائي، ولن تجود الحركة المسرحية بمثله لسنوات طويلة، إنه صقر الأب والمعلم والأستاذ والموجه والمحب الذي التقت به عام 1966 بعد انضمامها لفرقة مسرح الخليج، وقد شكّل الرشود ذائقتها الفنية، وحثها على القراءة، وقدّم لها أول كتاب لتقرأه هو "مرتفعات وذرينغ".

وأشارت إلى موقفين مع الرشود، الأول عندما عرضت إحدى المسرحيات، وتوفي ابنه البكر، لم يخبر أحداً بذلك، كي لا يتأثر فريق العمل، وكان يملي عليهم الإرشادات من الكواليس، وبعد الانتهاء من العرض، فوجئ الجميع بأن ابنه قد توفي.

والثاني موقف طريف عند سفر الفرقة لتقديم عرض "الحاجز" عام 1966 في بغداد، وفي نفس الفترة حدث الانقلاب، وتورطت الفرقة، وكان الرشود مصرّاً على تقديم العمل، وقال له سفير الكويت لدى العراق: "الدنيا مقلوبة.. أين ستقدمه؟"، وعندما ذهب الرشود إلى حلاق وجده يشعر الخوف الشديد والقلق، فحلق شاربه بالغلط، وعاد إلى الفندق، فكان المنظر مثيرا للضحك، رغم الأجواء الخارجية، ولم يعرض العمل.

ولفتت إلى موقف لن تنساه أبداً، زعله الشديد منها عندما شاركت مع محمد المنصور في مسرحية "السدرة" لفرقة المسرح الكويتي، وقال لها: "هل هذه المسرحية التي ستصنع لك المجد؟ مبروك لقد تركتينا".