كيف تُفسد روسيا نظام العالم الليبرالي؟
ترى الأنظمة المستبدة مثل روسيا والصين غايتين أساسيتين للمنظمات الدولية: حماية أنظمتها وتقويض القيم الغربية، لذلك تسعى إلى التحكم فيها وإفسادها قدر المستطاع، وتُعتبر قصة الدبلوماسي الروسي فلاديمير كوزنتسوف خير مثال.عمل كوزنتسوف، مسؤول روسي يملك مسيرة طويلة، في مجالس رقابية واستشارية مالية في ثلاث منظمات دولية كبيرة: منظمة حظر الأسلحة الكيماوية، ومعاهدة الحظر الكامل للتجارب النووية، ومنظمة الأغذية والزراعة في الأمم المتحدة. عندما قدّمت موسكو سيرة كوزنتسوف الذاتية الرسمية إلى منظمة حظر الأسلحة النووية السنة الماضية، أشارت إلى أنه كان بين عامَي 1999 و2005 عضواً في اللجنة الاستشارية لشؤون الإدارة والميزانية في الأمم المتحدة، ومن ثم رئيسها، علماً أن هذا منصب إشراف بارز، لكن هذه السيرة الذاتية غفلت عن ذكر أن كوزنتسوف أُدين عام 2007 بإساءة استعماله منصبه هذا لتبييض رشا ترتبط ببرنامج النفط مقابل الغذاء التابع للأمم المتحدة.
حُكم على كوزنتسوف بقضاء 51 شهراً في سجن فدرالي أميركي بعدما اعترف شريكه في الجريمة، المسؤول الروسي ألكسندر ياكوفليف، بذنبه وشهد ضده، واليوم، بعد مرور عقد من الزمن، عاد كوزنتسوف للإشراف على ميزانيات منظمة الأمم المتحدة التي تنظم المساعدات الغذائية، فضلاً عن هيئة مسؤولة عن حماية المدنيين السوريين من الاعتداءات الكيماوية.بدت قضية كوزنتسوف فاضحة جداً، مما دفع الحكومة والكونغرس في الولايات المتحدة إلى التدخل، فقدّمت إدارة ترامب اعتراضاً إلى منظمة حظر الأسلحة الكيماوية، حسبما أخبرني بعض المسؤولين، ولكن لم تُتخذ بعد أي إجراءات، ففي الخامس والعشرين من يناير، وجه السيناتوران تيد كروز ورون جونسون رسالة إلى وزير الخارجية مايك بومبيو عن حالة كوزنتسوف. فقالا: "بوتين من رجال عصابات الاستخبارات السوفياتية السابقة (KGB)، ويعمل على نشر أتباعه أينما استطاع ليروّج لمصالحه، ولا شك أن لروسيا وإيران مصلحة كبيرة في تقويض منظمة حظر الأسلحة الكيماوية، وقد بدأت روسيا بتحقيق ذلك بتعيين كوزنتسوف، وهو مجرم أدانته محكمة أميركية بجرائم مالية، في منصب يُفترض بكوزنتسوف فيه مراقبة شؤون هذه المنظمة المالية".وتشير رسالة كروز-جونسون إلى ما يدفع روسيا إلى اختيار مجرم مدان ليمثلها في منظمة حظر الأسلحة الكيماوية، وتُتهم روسيا بالتدخل في تحقيقات هذه المنظمة بشأن استخدام الأسلحة الكيماوية في سورية والتلاعب بمواقع الاختبار، كذلك فتحت منظمة حظر الأسلحة الكيماوية تحقيقاً في استعمال أسلحة كيماوية تُصنَّف عسكرية في بريطانيا شهر مارس الماضي.مساعي روسيا لتقويض المنظمات الدولية لا تُعتبر جديدة، فقد حاولت موسكو زعزعة قدرة منظمة الأمن والتعاون في أوروبا على مراقبة الانتخابات الديمقراطية طوال سنوات، لكن جهودها باتت اليوم أكثر تنظيماً وأوسع نطاقاً، كما أن الصين تستغل نفوذها المتنامي في الأمم المتحدة لتبديد الانتقادات التي تواجهها بسبب ممارساتها في مجال حقوق الإنسان، بل تحاول أيضاً تبديل نظرة الأمم المتحدة إلى حقوق الإنسان حول العالم. تعتبر القوى المستبدة الهيئات القائمة على القواعد الدولية خطراً يهدد مصالح النظام، لذلك تصب كل جهودها على تقويض عناصر الديمقراطية وحقوق الإنسان في هذه المؤسسات، حسبما يوضح كريستوفر والكر، نائب رئيس الصندوق الوطني للديمقراطية.ورد فعل إدارة ترامب ارتكز على تسليط الضوء على هذه المشاكل في الانسحاب من هذه المنظمات، تماماً كما حدث عندما أخرج بلاده من مجلس حقوق الإنسان في الأمم المتحدة السنة الماضية، لكن البعض يريدون من إدارة ترامب ممارسة المزيد من الضغط على هذه المنظمات كي تقاوم الفساد الاستبدادي.تبقى المقاربة الفضلى مضاعفة مشاركة الولايات المتحدة في هذه المؤسسات مع الإقرار بأنها تمثل ساحة قتال رئيسة في الصراع الطويل بين الغرب والقوى الرجعية مثل روسيا والصين سعياً وراء السيطرة على القواعد والأعراف الدولية. حدد التقييم العالمي للمخاطر، الذي صدر أخيراً عن مجتمع الاستخبارات الأميركي، هذا التحدي بوضوح. جاء فيه: "توسّع الصين وروسيا تعاونهما معاً ومن خلال الهيئات الدولية بغية صوغ القواعد والمعايير العالمية بما يتلاءم مع مصالحهما ويشكّل وسيلة تصدٍّ للولايات المتحدة والدول الغربية".خلال فترة طويلة، اتبعت الديمقراطيات الغربية مقاربة متساهلة في الدفاع عن قواعد المؤسسات المستندة إلى قواعد، في حين راحت الأنظمة المستبدة تعمل على صوغها لتتناسب مع مساعيها، لكن حل هذه المشكلة خطوة بالغة الأهمية للفوز في المنافسة الاستراتيجية الكبرى والحفاظ على أمننا، وازدهارنا، وحريتنا.* جوش روجين* «واشنطن بوست»