«ميليشيات إيران» العراقية لا تريد خروج أميركا
خلال حوار مفتوح في بغداد مع قيس الخزعلي، قائد أبرز ميليشيا عراقية مقربة من طهران، ظل عشرات الغربيين، بينهم الضباط والدبلوماسيون والأكاديميون، الذين حضروا اللقاء الأسبوع الماضي، يدققون الترجمة الإنكليزية للتصريحات، مستغربين ما قاله رئيس حركة «عصائب أهل الحق»، إنه لا يريد خروج القوات الأميركية من العراق!وشاهد الحضور جنرالاً أميركياً سابقاً، وباحثاً مقرباً من وزارة الخارجية البريطانية، يدققان مع معارفهما العراقيين ترجمة الكلام، ويسجلان ملاحظات عديدة، إذ يصعب تصديق أن الميليشيات التي ظلت طوال الشهور الأخيرة تنادي بضرورة طرد القوات الأميركية، تستخدم تعبيرات أخرى مثل «تنظيم قانوني لوجود القوات»، وإطلاق مباحثات تقنية بين الجانبين لتحديد احتياجات العراق من الدعم والاستشارة والتسليح، لكي يكون التعاون العسكري مع واشنطن واضحاً وقانونياً.وتعيش بغداد منذ بضعة أسابيع تصاعداً في الدعوات إلى إصدار تشريع نيابي يقضي بخروج نحو 5000 جندي أميركي موجودين في العراق، وقدموا مساندة كبيرة خلال الحرب على «داعش»، لكن الأمر لم يخرج عن أنه تصريحات كلامية، وبضعة مقترحات مكتوبة، نشرها نائب مقرب من زعيم التيار الصدري، ولم تحظ بمتابعة جادة.
وفي تصريح لوسائل الإعلام المحلية، قالت السفارة الأميركية إنها منفتحة على تصريحات قيس الخزعلي وباقي القادة المقربين من الميليشيات الذين أخذوا أخيراً الحديث عن ضرورة الحياد العراقي في أزمات الشرق الأوسط، وأن على واشنطن وطهران أن تمتنعا عن استخدام العراق كميدان لتصفية الحسابات بينهما.ولا يبدو هذا التحول مفاجئاً للأميركيين فقط، بل إن وزير النفط الإيراني بيجن زنكنة، وخلال حديث عاصف مع الصحافة في طهران، وصف بأنه «اعتراف مزلزل»، بدا منزعجاً من بغداد، وقال إن العراقيين يستطيعون مساعدة إيران بألف طريقة سهلة، لكن حكومة عبدالمهدي لا تتعاون مع طهران.وفي فيديو تداوله شباب إيرانيون وعراقيون في آن واحد، نهاية الأسبوع، قال الوزير الإيراني إن بغداد لا تسدد مليارات الدولارات لقاء الغاز الإيراني المستورد، وتلتزم بعقوبات واشنطن بشكل دقيق حتى في إطار التبادلات النفطية البسيطة.ومجمل هذه التطورات دفعت الوفود الأكاديمية والصحافية، التي تتقاطر بشكل غير مسبوق على بغداد، لحضور مناسبات ثقافية عديدة هذه الأيام، إلى الانخراط في سجال عراقي قديم جديد، حول مدى قدرة إيران على استخدام حلفائها العراقيين في المواجهة المتصاعدة مع واشنطن، ولعل أكثر ما لفت نظر الباحثين والصحافيين العرب، الذين يجلسون مع نواب وساسة عراقيين خلال زياراتهم النادرة للعراق هذه الفترة، هو الرسائل المتكررة المصوغة بعناية أحياناً، والتي يطلقها قادة ميليشيات وساسة متشددون شيعة، بمضامين إيجابية ومنفتحة، موجهة إلى المحيط العربي والإدارة الأميركية، وخلاصتها أن العراقيين يريدون إنهاء القطيعة مع العرب، وتنظيم العلاقة مع أميركا، ومنع إيران من زج بغداد في حروبها التي لا تنتهي.ورغم أن العرب والأجانب يتعاملون مع هذه الرسائل الجديدة بجدية، فإن شريحة واسعة من الجمهور العراقي، في تعليقات شهدتها مواقع التواصل، راحت تسخر ولا تصدق أن في وسع مجموعات سياسية بقيت تدافع عن طهران سنوات، أن تقرر فجأة بدء «تصحيح» العلاقة مع الإيرانيين، والتعاطي بإيجابية مع الوجود الأميركي في العراق، رغم أن المصادر السياسية تشير بوضوح إلى وجود قلق كبير بين الساسة الشيعة حتى المتشددون، من تداعيات التصادم الأميركي الإيراني، لاسيما أن العراق يشهد غضباً شعبياً على الحكومة بسبب تردي الاقتصاد والبنى التحتية، وتفشي البطالة بين الشباب، حيث يترقب الجميع احتجاجات قد تكون عنيفة مطلع الصيف.