لسنا بكفرة
![خولة مطر](https://www.aljarida.com/uploads/authors/982_1671286347.jpg)
يحرق هو نفسه لأنهم منعوه من العيش "المستور" عبر عربته التي يجول بها ليبيع الخضار أو ذاك الذي يكد ويكدح طول النهار ليدفع أقساط مدرسة خاصة عندما رفعت الدولة مسؤوليتها عن التعليم، فقد اكتفت بأبناء "القادرين" ليشكلوا شريحة التكنوقراط لديها، وعلى الباقي أن يقتات بالفتات ويعيش عليه، أو أن ينتظر ربطة خبز أو علبة سردين ترمى له من جمعيات احترفت العمل الخيري بدلاً من أن تعمل على إعادة كرامة الإنسان بمهنة كريمة تسد الرمق وتكفي أقساط التعليم، وقف ذاك اللبناني أمام باب مدرسة أبنائه لم يحتمل الإذلال لأبنائه وهو ينظر في عيونهم المليئة بالدمع متشوقة لأن تكون كما كل الأطفال، طفل أو طفلة بحقيبة وقلم وابتسامة بريئة، حتى هذا الحلم المتواضع لم يعد متاحاً لفقراء هذه الأوطان المنغمسة بالفساد حتى اعتلت أعلى المراتب في تلك اللوائح المشينة، وحتى أصبحت التنمية مهددة بهذه الآفة أو ذاك المرض المزمن المتأصل في تفاصيل الدولة الحداثية.أما قبل أسبوع فقد اختار ذاك العربي الآخر أن يقتل أبناءه ثم ينهي حياته، هو الآخر لم يعد يتحمل إحساسه بالعجز الدائم وهو غير قادر على أن يكسو أو يطعم أو يعلم أبناءه، تتكرر المشاهد في كل الزوايا من البحر إلى آخر ذرة ملح، وتبقى الصور المتلاحقة حتى فيما يسمى أرض النفط، هناك كثير من الحرمان والعوز المخبأين خلف بارافانات من المظاهر الخادعة، هناك أيضا قالت الدولة كلمتها الأخيرة، لقد "رعيناكم" في دولة "الرعاية" حتى حان وقت النضج فعليكم الآن السباحة في بحر الحياة وحيدين، مضحكة تلك العبارة لأن باستطاعة الطرف الآخر أن يرسل الأسئلة المتلاحقة، ويؤكد ماذا فعلتم بملايين بل بلايين النفط التي تكدست أو ربما تسربت؟ وما ذنب المواطن إن كان علينا توفير طائرة خاصة لكل مسؤول وأسطول من السيارات الفاخرة، وشقق وبيوت في ضواحي المدن البعيدة؟ فالبحر يشهد على ما نقول، فاسألوه كم دفع الأثمان باهظة كما كل مواطن ومواطنة بسيطين أو طبقة وسطى أو حتى تلك الطبقة التي صدقت أن بالعلم يصل الإنسان إلى السماء السابعة، ويحقق أحلامه وأحلام أبنائه ولم تعرف أن في أوطاننا حتى العلم أصبح لا قيمة له إلا إذا ترافق مع ختم خاص جداً؟! كم عربي سيحرق نفسه أمام أعيننا قبل أن نتوقف عن مطالعة نشرات أخبارهم المزيفة، وحفلات الترويج الممجوجة لبرامجهم التنموية "العبقرية" وحتى متى تبقى الأغلبية العظمى تنتظر المخلص أو ربما غودو؟ ومتى يعرفون أن الإنسان لا يعيش بالفتات بل ببعض من كرامة وعزة، معه حق العبقري زياد الرحباني عندما ردد "أنا مش كافر بس الجوع كافر".* ينشر بالتزامن مع "الشروق" المصرية