مرافعة : أزمة المباركية... العلّة في القانون!
في الوقت الذي أعلن فيه مجلس الأمة نيته النظر في قضية المستأجرين لمحلات سوق المباركية لم يدرك المجلس نفسه انه هو السبب فيها من جراء موافقته على أحكام قانون الشراكة الذي يعتبر توقيع الدولة ممثلة بوزارة المالية على العقد مع المستثمر الجديد بمثابة انهاء للعقد مع المستثمر السابق لأي عقار او ارض مملوكة للدولة، سواء لمخالفة المستثمر للعقد أو لانتهاء مدته، وزوال عقد الاستثمار السابق يعني زوال تبعاته ومنه زوال أي علاقة إيجارية بين المستثمر السابق وأصحاب المحلات الذين يطلق عليهم «المستأجرون بالباطن»! وبزوال سلطة المستثمر السابق على إدارة العقار بانتهاء عقده بعد فوز آخر بالمناقصة على إدارة العقار وتشغيله، فذلك يعني زوال العقود المستأجرة بالباطن منه، ويعتبر اصحاب المحلات مغتصبين للمحل الواقع في المبنى الذي تديره الشركة الجديدة ما لم يسلموا بشروطها بعقد جديد، وإلا فساحات المحاكم لن تنصف أصحاب المحلات لأن القانون هو من يقف معها بصياغته المعيبة، والتي لا يمكن أن تكون المعبرة عن حقيقة الشراكة التي تنشدها الدولة مع القطاع الخاص، وهو ما يوجب العمل على إعادة النظر في أحكامه.
تعامل وزارة المالية مع قضية المباركية تم برؤية تاجر يريد أن يحقق المضاربة ويحقق أعلى الإيرادات من اعلى العطاءات المقدمة من المتنافسين على ادارة وتشغيل السوق دون أن تدرك أن ذلك النهج لا يستقيم مع فكرة الحفاظ على الإطار التاريخي والتراثي الذي يتميز به هذا السوق، لاسيما أن أي تاجر سيستعيد الأموال التي سيدفعها سنويا للدولة من جيوب اصحاب المحلات، وهو الأمر الذي تجاهلته الوزارة رغم علمها به!وعلى سبيل المثال فبسطة بيع اوراق الخضار تبيع بأسعار زهيدة جدا، فيما يتم إخلاؤها لانتهاء العقد وإلإ ابرام عقد ايجار جديد مع صاحبها بمبلغ يزيد على ألف دينار، بعدما كان إيجار تلك البسطة لا يتجاوز الـ150 ديناراً شهرياً، في حين ان وجود هذه البسطات التي تراعي شكل السوق التراثي والتاريخي لا يمكن ان يكون الهدف منه ربحياً لأن وجودها ذو هدف تراثي، ولا يمكن لاصحابها ان يستمروا بدفع ايجارات تتجاوز مبلغ الالف دينار، بينما كان يتعين قبل توقيع العقد استثناء فكرة تحقيق الارباح من الاماكن التراثية لأن اصحابها لن يتمكنوا من البقاء فيها، وسيأتي المستأجرون القادرون على السداد، وبالتأكيد لن يكونوا قادرين على فكرة استمرار ذات الروح التراثية التي يتمتع بها السوق، وهو الأمر الذي سيسهم في تغيير هوية السوق التي كان على الوزارة الحفاظ عليها والتنازل عن فكرة المضاربة !والأمر الذي يتعين التنبه إليه هو ان المسؤولين في المالية يدركون ان الشركة السابقة التي تدير السوق سبق لها ان ابرمت عقود ايجار مع مئات اصحاب المحلات لم تنته مدتها بعد، وكان يتعين عليها حمايتهم، الا انها وضعتهم في مواجهة مع الشركة المستثمرة الجديدة، والتي طالبت بتطبيق احكام القانون من اجل طردهم كونهم مغتصبين للعين، أو قبولهم بالعقود الجديدة التي تحملهم مبالغ ايجارية مضاعفة! يتعين على الوزارة العمل على اعادة النظر في عقودها مع الشركات بأن تسند إليها ادارة السوق دون تشغيله على ان تقوم هي بإبرام عقود الإيجار مباشرة مع اصحاب المحلات بالقيمة التي تتناسب مع طبيعة السوق والهدف من وجوده، وذلك لأن الأمر قابل للتكرار فيما لو قررت الوزارة انهاء عقد الادارة الحالية وأتت بشركة اخرى، فستقوم الأخيرة بطرد اصحاب المحلات الذين وقعوا عقودا مع الشركة السابقة دون ادنى استقرار.