توازن الأمن والاقتصاد
عندما انتهت الحرب العالمية الثانية، أظهرت بوادر وملامح موازنة الأمن والاقتصاد نمطا جديدا لسلوكيات الدول في المشهد الدولي الحديث، فخرجت الصحف آنذاك بمانشيت اقتصادي جديد، وهو خطة مارشال الاقتصادية، ومانشيت آخر أمني، وهو إنشاء حلف الناتو. وما إن مرت أسابيع حتى قرأت موسكو الأحداث بعين الشك، واقتنعت بأنها بداية لحرمانها من ثمار انتصارها على ألمانيا، فتحولت الحرب من ساخنة إلى باردة بين الأقطاب المتنازعة، وعلى الطرف الآخر تابع الغرب، والمتمثل بالدول المنتصرة في الحرب العالمية الثانية إلى جانب الولايات المتحدة، بحذر السلوك السوفياتي من قمع وعنف ورغبة شديدة في الهيمنة على أجزاء من أوروبا الشرقية بدءاً بتشيكوسلوفاكيا عام 1948، وتطور إلى ربيع براغ في فترة الستينيات، والحصار على مدينة برلين، فتطورت الأحداث إلى إنشاء جسر جوي لإنقاذ الكتلة الغربية وإمدادها بالمعونات اللازمة.
فأدرك العالم أنها المواجهة الأولى مع بداية الحرب الباردة، وغمرت ردود الأفعال مناطق متفرقة مولدة أزمات في أماكن متفرقة من هذا العالم، وبالطبع كان لمنطقة الشرق الأوسط نصيب الأسد منها، وابتدأت الولايات المتحدة وبريطانيا في رسم الملامح الجديدة لهذا العالم. فابتدأ تشرشل بإطلاق مصطلح الستار الحديدي على الكتلة الشرقية، وأسدل الستار عليها بمساعدة الرئيس الأميركي ترومان، الذي ساهم أيضا في التحذير من الدول التي ترزح تحت القبضة الحديدية السوفياتية متسببة في عزلة بينها وبين العالم المتطور، الذي قطف ثمار الثورات الصناعية، وبادر بالتصنيع والاستثمار في الشق الاقتصادي، تاركة للدول في الكتلة الشرقية تعزيز الشق الأمني فقط. وتأثرت دول الشرق الأوسط بتداعيات الحرب الباردة، فتبنت سلوكيات الحذر والحيطة ورسم الاستراتيجيات الأمنية، والتعامل مع هواجس الحروب الأهلية والتدخلات الخارجية، ولم تستثمر في الصناعة والتكنولوجيا، وما إن انتهت الحرب الباردة 1990، حتى استعادت الدول قواها بعد كارثة الغزو. لقد آن الأوان لتستمتع بمزيج من الاقتصاد، وتقطف ثمار الثورة الصناعية الخامسة على حد تعبير قادة مؤتمر الحكومات الذي انعقد في دولة الإمارات قبل عدة أيام.