منذ أيام انتهت الدورة الخمسون لمعرض القاهرة الدولي للكتاب، بعدما انتقل إلى مكان جديد كبير ومنظم يليق بمعرض تقيمه مصر بكل ما لها من ثقل ثقافي. المعرض شهد إقبالاً غير متوقع رغم بعد المسافة التي تفصل مكانه الجديد عن وسط القاهرة، ولكنه أصبح تمديداً للعاصمة وتخفيفاً للضغط عن قلبها المجهد بالأزمات المرورية خلال أيام المعرض.المهم في يوبيل معرض القاهرة الذهبي أنه اتسع للثقافات العربية والأوروبية على تنوعها، فشهدت قاعاته مئات دور النشر من أنحاء العالم، ولامست الكتب المطروحة سقف المليون عنوان. على مستوى الندوات حضر الشرق والغرب في كثافة كبيرة ربما أثرت في جودة التنظيم وكثافة الجمهور الحاضر للندوات، إذ ليس المهم الكم في هذا السياق قدر أهمية الإعداد للندوات وتقديم خدمات الدعاية لها لضمان معرفة الجمهور بها وتمكنه من حضور ما يشاء منها دون تعارضات منهكة.
احتفى معرض القاهرة بالكتب التأسيسية في الثقافة العربية وبالأدباء الكبار الذين شكلت أعمالهم أعمدة رئيسة في الثقافات التي أبدعوا فيها مثل كتب: مستقبل الثقافة في مصر لطه حسين، وكتاب الاستشراق لإدوارد سعيد، وكتاب الإسلام وأصول الحكم لعلي عبد الرازق ونقد العقل العربي لمحمد عابد الجابري وغيرها.ومن أهم ما حدث الندوة التي أقيمت تكريماً وتأبيناً للراحل الكبير إسماعيل فهد إسماعيل، وهو أبو الرواية الكويتية، تحت عنوان {كاتب ومشروع}، حيث حضر إليها خصيصاً ثلاثة من وجوه الثقافة الكويتية هم الروائي صاحب البوكر سعود السنعوسي، ومدير مركز جابر الثقافي الفنان فيصل خاجة والروائي والشاعر حمود الشايجي، كذلك شارك بجهده البحثي فيها من مصر القاص أشرف عبد الكريم وقدمها كاتب هذه السطور. كرمت الندوة واحتفت بصاحب العنقاء والخل الوفي وثلاثية النيل يجري شمالاً وغيرها من الأعمال الروائية التي شكلت ركناً ركيناً في الرواية العربية. كان الاحتفاء بإسماعيل دافئاً ومكتظاً بالحضور الذين شكلوا نخبة ممثلة لعشرات الوجوه التي أرادت الحضور والاحتفاء به من الكويت ومن خارجها.استضاف المعرض هذا العام أيضاً وجوهاً ثقافية مهمة من أوروبا والأميركتين مثل اللقاء الفكري الذي عقد مع الفيلسوف الألماني تورستن بوتز برنستين الذي تحدث عن ثقافة {الكيتش} أو المسوخ الفنية الشائهة التي أصبحت تحيطنا في كل مجال. كذلك الكاتب الألماني مارتن روزنستوك الذي شارك في حلقة نقاشية عن ألف ليلة وليلة. من زاوية أخرى، اكتظت قاعة الشعر وكاتب وكتاب وملتقى الإبداع بالحضور المتفاعل مع ما يقال من شعر ونقد. و اشتعلت المساحة المخصصة للأطفال بكثير من الأنشطة المبتكرة، وصدحت السيرة الهلالية معظم الأيام مجتذبة جمهوراً كبيراً. أجواء الحضور كانت مبهجة رغم الطوابير الطويلة التي تتكرر بلا داع أمام القاعات، والتي أدعو القائمين على المعرض لإيجاد حلول عملية لها العام المقبل. ومهما يكن من سلبيات صغيرة، تبقى دورة المعرض في يوبيله الذهبي حدثاً كبيراً ناجحاً وجب معه توجيه التحية إلى الدكتور هيثم الحاج علي مدير المعرض ورئيس الهيئة المصرية العامة للكتاب ولكل من عمل معه لتحقيق هذا الإنجاز.
توابل - ثقافات
تنوير : اليوبيل الذهبي
14-02-2019