المؤلّف ميشال مراد: أبطالي شخصيات عصاميّة لا تعرف اليأس
أصدر كتابه الجديد «لَمْسةُ قَدَر» في مجموعة قصص قصيرة
بعد إصداره مؤلّفاتٍ لاقتْ مكانَها اللّائق في مختلف المكتبات العربيَّة وتعرَّف إليها محبّو الأدب والمعرفة، ها هو المؤلف ميشال مراد الذي خاض معترك الميدان الثقافي تأليفًا وتوثيقًا ونَشرًا يصدر روايته الأولى بعنوان «لَمْسَةُ قَدَر» وتضمُّ قصصًا قصيرة امتزجتْ فيها الحقيقةُ بالخيال، ولقي الكتاب أصداءً طيبة في عالم الكتابة والتأليف. «الجريدة» التقت المؤلّف فدار معه الحوار التالي حول أعماله وقصصه التي تنقل القارئ إلى واحة رجاء وحُبّ.
ما الذي تعنيه مجموعتك القصصيَّة «لَمْسَةُ قَدَر» التي أصدرتها حديثًا مقارنةً مع سائر مؤلَّفاتِكَ؟إنّها صورٌ من الحياة شردتْ في كُلِّ اتّجاه، فلحقَتْ بها الذاكرةُ على مدى سنوات، وعندما علِقتْ في الشِّباك تلقّفها اليَراع وأتى بها واحدةً تلوَ أُخرى، مُضْفِيًا عليها مشحات الوجد ونداءات الحياة. وما يميِّز هذا الكتاب عن سِواه من أعمالي هو الإحساس الداخليّ الذي تخبَّط في ذاتي واستقرَّ بثبات على الأسطر. ومولودي هذه المرة مختلف، فهو ليس مؤلفًا بحثيًا ولغويًا بل مجموعةً من الروايات والقصص لأبطالٍ هم أحيانًا من لحمٍ ودم أكون قد التقيت بهم فعلًا أو ربما تخيلتهم لخدمة الحكاية. ففارتان ميلكونيان مثلاً الذي رويتُ قصته المثيرة في «البطريق الأمبراطور»، تعرّفت إليه في أمسية موسيقية أحياها في كازينو لبنان بسيمفونياتٍ عالمية ألّفها وقدّمها في أرقى مسارح العالم وأشهرها. أثار ملكونيان إعجابي كموسيقيّ أولاً ثم أذهلتني مسيرته الشخصية من طفلٍ يتيمٍ افترق عن إخوته الصغار وترعرع في ميتم «عش العصافير» في كنف رئيسة الميتم ماريا جاكوبسون بمدينة جبيل (بيبلوس) اللبنانية، إلى ماسح أحذية أو بائع علكة في بيروت، ليصبح بعد حين وبسحر ساحرٍ ومجهودٍ جبار وإرادةٍ لا تعرف الوهن قائدًا للأوركسترا الملكية البريطانية ومرجعًا موسيقيًا ترفع له أرقى الدوائر العالمية القبعة. وعندما بدأت أخطّ كتابي أردتُ أن أنقل قصة الشخصية الاستثنائية هذه إلى السواد لأنّ مسيرته العصامية تستحق أن تخلّد في كتاب وتعلق في الأذهان كبارقة أملٍ تحوّل كل مستحيلٍ ممكنًا في الحياة. أحبّ هذا النوع من القصص لأنّه يحمل رسالة ويمدّ المرء بالأمل بغدٍ مشرق، فأجمل ما في القصص التي نقرأها عبرٌ تحوّلنا من إنسان عاديّ إلى شخصٍ أفضلٍ فتصقل شخصيتنا في قوالب إيجابية تبعث على التفاؤل مهما اشتدّت الأزمات.
كيف ولدت فكرة هذا الكتاب؟إصدار كتاب «لَمسَةُ قَدَر» بالنسبة إليّ هو متعة قادتني إلى أقصى حدود النَّشوة الأدبيَّة. لقد أحببتُ الكتابة منذ نعومة أظفاري وبسطتُ كلماتٍ دارتْ في خلدي وسكنتْ بوجداني، على قصاصاتِ ورقٍ لطالما دسستها في جيبِ سُترتي لتدوين خواطرَ قد تباغتني، فأُشاركُ بها أحبائي الذين نحيا معًا في عالمٍ هادئ جميل نصنعه بأنفُسِنا من حقائق صادمة، نغسل جروحها المدمّاة، نضمِّدها ونلبسها أثوابًا محبوكةً بالأمل والصمود، لتنبُض بالحُبِّ والدَّهشة. كنت بين الفينة والأخرى أكتب القصص هذه على أوراقٍ واحتفظ بها في درجي حيث لا تطالها يد. ومع الأيام كثرت القصص فارتأيتُ نشرها لمّا تكتنفه من عبرٍ حياتية ونداءٍ إلى الأمل والمثابرة رغم كل ما تحمله الحياة من مشقات وعذابات.يبدو لنا أنّكَ سلكتَ مسارًا أدبيًّا مختلفًا. لم أُخطِّط لأيِّ أمر ولم أرسم لهدف، بل دفعتُ بأبطال القصص إلى التغلُّب على واقعٍ مرير والقفز فوق الحفر واجتياز الأسوار، فراحوا يكتبون عن وجعهم، فسمعت أنّاتهم من خلال صفحاتٍ بيض، وشاهدتُ معاناة نفوسٍ قلقة تلهث وراء الرّجاء لتجد في النهاية درب خلاصها المنشود.
أسلوب وتقمص
كيف تصف أسلوبك في القصَّة؟هي أوّل مغامرةٍ لي في عالم القصص القصيرة التي انطلقت من ذاتي طليقةً، لا تحدّها حدود ولا تغلّها قيود، وهي تسبحُ في فضاءٍ رحبٍ، فلا مسافة تُبعد أو تُقرِّب، ولا تقاليد تُكَبِّل، ولا عبرة، ولا وعظًا، بل عزمٌ يُوصِل وأمل ينصُرُ، وحبٌّ يُذلِّلُ العقبات ويُطهِّر من الموبِقات، فقد شئتُ أن يكون أبطالي عصاميّين ومتمرّدين على اليأس والقنوط ففي إحدى القصص أحكي رواية عدنان الذي خسر مصنعاً يمكله في سورية بلمح البصر، بفعل حريقٍ كبير فشعر بحزن كبير إلى أن التقى بمَن قُتِل ابنه في الحرب فهانت عليه مصيبته أمام وجع من خسر فلذة كبده. تتقمَّص في القصص أحيانًا دور المرأة، وتتكلَّم بلسانها، فتخرِج إلى العَلَن ما يخالجها من اضطراباتٍ نفسيَّة. تقمَّصتُ في الكتاب شخصية كُلّ فرد وغصتُ حتّى أغوارها، وفي تصويري لمعاناة المرأة في مجتمعاتنا، جُرحٌ يحزّ في صدر كل إنسانٍ حُر يتوقُ إلى النور. والمرأة كائن حساس يفيض بالمشاعر ويختبر مساراتٍ تفوق الرجل عذاباً ومثابرةً وشجاعةً. تعجبني المرأة عمومًا والعربية خصوصًا لأنّها تجتهد في تربية عائلتها والتقدّم في مهنتها في ظروفٍ صعبة من دون أن تتنازل عن أنوثتها أو شخصيتها. كان لا بدّ لي أن أنقل بعض معاناتها إذًا خصوصًا لناحية الأعراف الاجتماعية والتقاليد التي غالباً ما تظلمها وتحبسها في قمقم الذكورية أو الأحكام المسبقة. في مؤلَّفاتك السابقة نجدك شخصًا آخر.في مؤلّفاتي السابقة كنت أبحث عن موضوعاتٍ ثقافيَّة، تربويَّة واجتماعيَّة، فكتابي «غرائب العالم» الذي تعدَّت مبيعاته 120 ألف نسخة، قدّم للقارئ العربيّ معلوماتٍ مفيدة شائقة. وعندما ركَّز الإعلام على مساوئ مجتمعنا العربيّ، عمدتُ إلى إبراز مكامن الجمال فيه في كتابي «روائع العالم العربيّ» الذي ضمَّ أقسامًا خمسة تناولت الحضارة والأديان والطبيعة والعلم والعمران في أوطاننا العربيَّة. أمّا الموضوع الآخر الذي عملتُ عليه بجهدٍ توثيقي طوال سنوات، فهو إعداد «الموسوعة العالميّة في الأمثال والحكم والنوادر» في أجزاء ثمانية، كما لديّ مؤلَّفات تربويَّة ومعجميّة.هل في جعبتك قصصٌ أُخرى تبصر النور لاحقًا؟يلزمني بعض الوقت لانتزاع شخصيات كتابي الحالي والعودة إلى ذاتي. في الحياة قصصٌ لا تنتهي، أسعى دوماً ومن دون كلل إلى لملمتها ولعلّني أجمعها يومًا ما بين دفّتي كتاب آخر.لفتتني فقرة سمّيتها «إنها المحبة» وردت في آخر الكتاب وعنونت الباب الخاص بها «خارج الإطار» هلا أخبرتنا عن قصدك بذلك.قرأتُ معلومة ذات يوم عن عالم الفلك الشهير «كيرت ايبرلي» الذي كان يلقي محاضرةً علمية في منتدى أميركي بمدينة هيوستن في الولايات المتحدة. سأله أحد الطلاب الجامعيين عن موعد حلول نهاية العالم ففاجأ الحضور بجوابه الذي جاء بعيدًا عن عالم العلم والأرقام إذ قال: «نهاية العالم سوف تحلّ حتمًا بعد أن تهجر المحبة صدور البشر». أعجبتني هذه الفكرة فالمحبة وحدها تبني في عمارة الإنسانية مدماكًا بعد آخر، وانتفاء المحبة من القلوب هو الذي يدمر في لحظة واحدة كل ما بناه الإنسان فمن دون المحبة يُفتقَد النبلُ ويمسي العالم قبيحًا موحشًا.بعض إصدارات المؤلف
روائع الأمثال العربية عن «دار المشرق».نهاية العالم متى وكيف؟ عن «دار المجاني».لبنان: سؤال وجواب عن «دار المراد».قاموس الأقوال عن «دار المراد».الموسوعة العالمية في الأمثال والحكم والنوادر عن «دار المراد». روائع العالم العربي عن «دار المراد».
أبرزت مكامن الجمال في مجتمعنا العربي في كتابي «روائع العالم العربيّ» الذي ضمَّ أقسامًا خمسة تناولت الحضارة والأديان والطبيعة والعلم والعمران