تراجع عرض المساكن الجديدة في الولايات المتحدة
نقص عمال البناء وتشدد القوانين المتصلة بالشروط الصحية يضاعفان التكلفة
إذا كنت تبحث عن أنباء جيدة بخصوص سوق السكن في الولايات المتحدة فاعلم أن من غير المحتمل حدوث هبوط حاد في أسعار الوحدات السكنية على غرار ما حدث عشية أزمة الفورة والانهيار في سوق العقارات خلال الفترة 2006-2009. وخلال فترة الازدهار الأخيرة انهمك المشترون والمقرضون وشركات البناء في التكهن والمضاربة وارتفعت الأسعار حتى مع طرح طوفان من المساكن الجديدة في الأسواق. وهذا المزيج غير المستدام ليس موجوداً اليوم. ويقول غريغ ماك برايد وهو كبير المحللين الماليين لدى بنكريت دوت كوم "الانهيار ليس شيئاً أراه في الأوراق حتى على المستوى المحلي".وبدلاً من التوجه نحو إخفاق آخر، ما زلنا نشعر بتأثيرات الإخفاق الأخير، إذ تم التخلص من بناة المنازل المندفعين ويحرص الذين تمكنوا من البقاء على الالتزام بالشروط والمواصفات.
ولا تستطيع شركات البناء الأصغر، التي تعتمد على الاقتراض رفع تكلفة البناء – حتى وإن أرادت ذلك – لأن المصارف تتردد في إقراضها. وحتى بعد التعافي التدريجي من الدرك الأسفل في مطلع سنة 2009 يظل معدل الشروع في تشييد مساكن العائلة الواحدة أدنى من مستوى حقبة الستينيات من القرن الماضي عندما كان عدد سكان الولايات المتحدة أقل بـ 60 في المئة مما هو عليه اليوم.وبدلاً من زيادة عدد المنازل المعروضة، لا توجد كمية كافية تشيد، ويفضي هذا إلى رفع الأسعار بشكل يحول دون تملك الكثير من الأميركيين للمنازل. ويقول آرون تيرازاس وهو اقتصادي رفيع لدى مجموعة زيلو "نحن لا نملك قدرة إسكانية كافية".وساهم في هذا النقص المعدل المتدني للبطالة الذي يجعل من الصعب العثور على عمال بناء. كما يرى المطورون أن التنظيمات والقوانين المتشددة ترفع التكلفة، وفي شهر مارس الماضي أبلغت الجمعية الوطنية لبناء المساكن الكونغرس بأن القوانين التي تشمل طلاء الرصاص والنماذج المهددة للصحة وشروط سلامة العمال ذهبت أبعد مما ينبغي.وقد تسبب نقص العرض في ارتفاع أسعار المنازل بصورة متواصلة. وبات امتلاك منزل بغض النظر عن تواضعه خارج قدرة السكان في بعض المدن. وفي مناطق لوس أنجلس وسان فرانسيسكو كان عدد المنازل التي تم بيعها في شهر ديسمبر الماضي هو الأدنى في مثل هذا الشهر منذ عام 2007. وفي مانهاتن وصل متوسط سعر الشقة الصغيرة (كوندو) الى حوالي مليون دولار، وكان على الأشخاص الذين يريدون شراء مكان للسكن الاستمرار في الاستئجار، أو العيش مع ذويهم أو الانتقال إلى مناطق يتوفر فيها مزيد من العرض بأسعار أدنى. وهبطت مبيعات المنازل بنسبة 9.8 في المئة في شهر ديسمبر ما دفعها الى أدنى مستوى منذ شهر ديسمبر 2013.وكانت الفقاعات التي تشتمل بصورة عامة على زيادة مفرطة في البناء عرضة لخطر أكبر في دول أخرى. والعام الماضي كانت هونغ كونغ هي الأولى في مؤشر مجموعة "يو بي إس" العقاري العالمي للفقاعات وجاءت بعدها ميونيخ وتورنتو وفانكوفر وأمستردام ولندن وستوكهولم وباريس. وكانت سان فرانسيسكو المدينة الأميركية الوحيدة ضمن أعلى عشر مدن وحلت تحتها لوس أنجلس ونيويورك وبوسطن وشيكاغو – المدينة الوحيدة التي صنفت على القائمة العالمية بأقل من قيمتها (وكان ذلك قبل العاصفة القطبية). ويأخذ المؤشر في الحسبان القيمة السوقية لعائد الوحدة ونسبة السعر إلى الإيجار، ضمن العوامل الأخرى لتحديد درجة مرونة الأسواق.لكن حتى في خارج الولايات المتحدة لم يكن هناك الكثير من المضاربة على البناء – بحسب جوناثان ولوشين وهو رئيس قسم استراتيجية الاستثمار العقاري العالمية لدى "يو بي إس" لإدارة الثروة العقارية الذي يضيف أن "ما من أحد طرح السؤال خلال فترة الفقاعة عما سوف يحدث إذا انخفضت الأسعار؟ والأسئلة الأفضل تطرح اليوم".وأنهت القوانين المتشددة الممارسات الخطيرة مثل عدم توثيق القروض، الذي يدفع الناس إلى شراء منازل لا يستطيعون تحمل ثمنها. كما ارتفعت قيمة الدفعة الأولى في أغلب الأحيان وقد جعلت هذه التغييرات قدرة الناس على شراء منزل أكثر صعوبة. وفي دراسة حديثة أجرتها "فاني ماي" وهي عملاقة شراء الرهن العقاري الخاضعة لرقابة الحكومة بشأن شركات إقراض المساكن في الآونة الأخيرة أنحى 1 في المئة فقط باللائمة على المقاييس المتشددة للائتمان والضمان كسبب لضعف المبيعات، وأرجع 48 في المئة السبب إلى "العرض غير الكافي". ولا تزال الحكومة تعمل على التخلص من فوضى القروض المعدومة، التي تعود إلى فترة ما قبل الانهيار. وقد اتهمت وزارة العدل الأميركية الكثير من الشركات، بما فيها "كويكن لونز انك" و"فريدوم كورب" للرهن العقاري، بتقديم ضمانات غير ملائمة لقروض إدارة الإسكان الفدرالية ثم التقدم بطلبات تأمين حكومية بعد تخلف المقترضين عن السداد. (وتوصلت فريدوم للرهن العقاري إلى تسوية بقيمة 113 مليون دولار وتخوض كويكن التي وصفت الشكوى "بالهزة" دعواها أمام القضاء).وأضعفت معدلات الرهن العقاري المرتفعة أيضاً السوق في سنة 2018، وفيما يعطي النمو الاقتصادي القوي المزيد من الناس المال الضروري من أجل الشراء فقد دفع مجلس الاحتياط الفدرالي إلى رفع معدلات الفائدة الذي يجعل الرهن العقاري أكثر تكلفة. ويقول تنداي كابفيدز وهو كبير الاقتصاديين لدى لندنغ تري انك، إن المعدلات العالية تقلص أيضاً مخزون المنازل المعروضة للبيع لأن الناس يصبحون أقل رغبة في التحرك إذا كانت عملية شرائهم التالية سوف تتطلب رهناً عقارياً أكثر تكلفة. وفي 30 يناير أشارت لجنة السوق المفتوحة الفدرالية إلى أنها سوف تتحلى بالصبر إزاء مزيد من رفع معدلات الفائدة. وفي سنة 2019 يتعين اعتبار ذلك بادرة تفاؤل.* بيتر كوي - بلومبرغ