انتظار يتبعه الاحتضار، وليس وراءه شيء سوى الموت الذي لا يستفيق منه أحد، هذا هو واقع قضيتهم ومصيرهم المحتوم، فلا واقع حكوميا قادر على وضع الحلول لقضتهم، ولا مجتمع يستطيع أن يفرض حلولاً إنسانية تساهم في رفع الظلم عمن عاش ومات معنا، فكلنا يعرف الكثير عن قضيتهم، ولكن قله قليلة أصبحت اليوم تناضل من أجلهم، حتى تولد لدى البعض شعور بعدم أهمية قضيتهم، وكذلك أصبح لا ينظر لها على أنها أولوية من ضمن أولوياته.فالملاحظ ألا رغبة حقيقية لدى الحكومة لمعالجة المشكلة، فكل ما نراه منها عبارة عن تخدير وإطالة لأمد أزمة إنسانية نعيشها ونراها كل يوم، مما جعل الكثير منا لا يؤمن بحل لقضيتهم في القريب العاجل، ومما ساهم كذلك بجعل مجموعة من أفراد المجتمع اليوم يناصرونهم باستحياء، فقضيتهم استمرت أكثر من خمسين عاماً، ومن الطبيعي، وفق المعطيات الحالية والتغيرات في الرؤى الحكومية، ألا نجد لهم أي حل لقضيتهم بل على العكس تعقدت وسوف تتعقد أكثر مع مرور الوقت. ومثال على ذلك ما نمى إلى علمي مؤخراً عما يحصل داخل صرح أكاديمي يفترض به أن يكون نموذجاً يحتذى به في التعاطي مع الأحداث الإنسانية والمعرفية، فما حصل داخل أروقة الجامعة لمجموعة من أبنائنا الكويتيين البدون، حيث يقف العشرات منهم أمام مكتب أحد العمداء لاستلام شهاداتهم الجامعية، ليجدوا رفض الجامعة تسليمهم إياها حتى يتم تعديل أوضاعهم، (أي وضع جنسية محددة لهم بدلا من كلمة غير محدد الجنسية على شهادة التخرج) وذلك حسب طلب اللجنة المركزية لمعالجة أوضاع غير محددي الجنسية.
حقيقة بتّ أخجل من نفسي لعدم استطاعتي مساعدتهم، وكذلك أبرأ بنفسي من هذا الفعل المشين، فكيف لصرح أكاديمي يقبل الطلاب بصفتهم من غير محددي الجنسية، وحين استيفاء متطلبات التخرج بعد معاناة إنسانية اجتماعية، الله يعلم وحده كيف عاشوها، لا يتم تسليم شهاداتهم إلا بإثبات جنسياتهم؟لذلك أدعو الجهاز الأكاديمي للنأي عن هذه الممارسات غير الإنسانية وغير الأكاديمية، فقد قُبلوا كطلاب غير محددي الجنسية، وعليكم تسليمهم أوراق تخرجهم كطلاب غير محددي الجنسية، لا أن تبحثوا عن أصولهم وجنسياتهم، فهذا ليس من صميم عملكم، وكذلك ليس من اختصاصكم.فالمشكلات التي يعانيها الكويتيون البدون كثيرة ومستمرة ومنتشرة في معظم المؤسسات الحكومية، فكل يوم نسمع ونرى مشكلاتهم التي لا حصر لها، والتي تحتاج إلى حل، ولعل أنسب تلك الحلول، من وجهة نظري، تأسيس وتشكيل كيان أو لجنة عمل أهلية تحت مظلة وطنية قانونية تنبثق من احتياجاتهم لتكون صوتهم المسموع، وممثلا شرعيا ينوب عنهم، ويسلط الضوء على قضاياهم ومشكلاتهم التي تبرز بين الحين والآخر، وكذلك لتكون قادرة على مواجهة التحديات، وتعطينا وصفاً دقيقاً لواقع مُرّ يعيشونه كل يوم مما يجعلها وسيلة مهمة تساهم في المستقبل القريب بتغيير وتطويع هذا الواقع، ووضع الحلول الإنسانية لقضية عادلة.
مقالات - اضافات
انتظار البدون واحتضارهم
15-02-2019