اعتذروا لشعبكم
في فلسطين عائلات فقدت خيرة أبنائها وبناتها شهداء من أجل حرية وطنهم، وفي فلسطين عائلات لا تعد ولا تحصى، قضى أبناؤها عشرات السنين في سجون الاحتلال، بعضهم كنائل البرغوثي يكاد ينهي أربعين عاما في سجون الاحتلال، وبعضهم كأبناء أم ناصر أبو حميد أربعة إخوة يقضون سنوات طويلة في الأسر بعد أن ارتقى أخوهم الخامس شهيداً. وفي فلسطين أبطال حقيقيون يعيشون معاناة يومية، وعذاباً لا يتوقف، وفقداناً مزمناً للأمن الشخصي والعائلي، وهم صامدون في بيوتهم وأرضهم المحاطة ببيوت المستعمرين المستوطنين وجنود الاحتلال. في فلسطين أمهات يعانين ساعات طويلة الأمرين كلما سافرن في باصات الصليب الأحمر كي يزرن أبناءهن في سجون الاحتلال دقائق محدودة، وفي فلسطين أطفال كثيرون كبروا دون آباء وأحيانا دون أمهات، وهم محرمون من أب ينادونه ويستعينون به. في فلسطين أطفال ومرضى لا يستطيعون الوصول للعلاج والدواء، وإن وصلوا إليه فبعد معاناة وألم لا يوصفان، وفي فلسطين مئات آلاف الشباب المحرومين من حقهم الطبيعي في العمل، وهم يرزحون تحت نير البطالة القاتلة، وفيها عشرات آلاف آخرين من الطلبة والطالبات الذين يعيشون كل نصف عام كابوسا اسمه تدبير أقساط ونفقات الدراسة الجامعية.
وفي مخيمات فلسطين يعيش مئات الآلاف جيلا بعد جيل محرومين من مقومات السكن اللائق والعيش الكريم، يشربون في أنحاء كثيرة مياها مالحة، ويضطرون كل يوم للتعرض لروائح المجاري، وتقوم أمهاتهم وزوجاتهم في منتصف الليل أو ساعات الفجر لتغسل ملابسهم عندما تأتي الكهرباء التي لا تزور بيوتهم أكثر من ست ساعات يوميا. وفي فلسطين أمهات وأخوات لنا اضطررن للتسول، لأنهن لا يجدن خبزا ولا طعاما لأطفالهن، وفي فلسطين آباء رأيناهم يبكون دما ووجوههم مغطاة بدموع الرجال الحارقة لأنهم لا يملكون راتبا يصرفون منه على أبنائهم وبناتهم، وفي فلسطين أسر أصيب أبناؤها بالسرطان وأمراض خطيرة أخرى، وتعجز عن دفع تكاليف نقلهم ليعالجوا في المستشفيات التي حولوا إليها. شعب يعيش كل يوم المآسي التي سببها الاحتلال، ويضيع ساعات طويلة من وقته على الحواجز، والمداخل، والمخارج لكنه لا يتنازل عن عدالة قضيته أو حقوقه أو عن حقه في تمثيل نفسه، وفي فلسطين شعب يعاني، لكنه صامد، ومصرٌّ على البقاء والفرح والحياة، يرفض بعناد كل الإغراءات ومحاولات الإغواء للتنازل أمام المحتلين، أو تقديم غطاء لمن يهرولون للتطبيع مع إسرائيل على حساب قضية فلسطين وحقوق شعبها.ومن فلسطين هناك ملايين ممن هجروا أو اضطروا أن يهاجروا، وأيا كان البلد الذي يعيشون فيه ومهما كانت عظمة مشاغلهم، فإنهم يتابعون في كل يوم هموم شعبهم وأخباره وأحداثه في وطنهم فلسطين. لكل هؤلاء نعتذر، ونطالب كل القوى والفصائل والتنظيمات أن تعتذر لهم، عن الفشل حتى الآن في إنهاء الانقسام الذي يدمر مستقبلنا، ويضيع طاقاتنا، ويجعلنا هدفا مستضعفا للاحتلال، ومؤامرة صفقة القرن، ومحاولات تصفية قضيتنا ووجودنا ومستقبلنا. اعتذروا لهم، فلعل فعل الاعتذار يغير شيئا في إحساس الجميع بحجم المسؤولية التاريخية والإنسانية الملقاة على عاتقهم، ولعله يدفعهم لتحقيق ما يطالبهم به شعبهم من وحدة وإنهاء للانقسام. * الأمين العام لحركة المبادرة الوطنية الفلسطينية