تراقب إيران ما يحدث في فنزويلا عن كثب، فالنظامان الثوريان في طهران وكاراكاس طائران يحلقان في سرب واحد، صحيح أن أحدهما إسلامي أخضر والثاني اشتراكي أحمر، لكنهما متشابهان على غرار ذلك الثوب الأزرق-الذهبي الذي أحدث ضجة كبيرة على شبكة الإنترنت قبل بضع سنوات.تواجه الجمهورية الإسلامية انشقاقاً داخلياً متفاقماً وعقوبات خارجية، وينطبق الأمر عينه على الجمهورية البوليفارية التي وُلدت في مستهل القرن الجديد، إلا أنها باتت اليوم محطمة وعلى شفير الانهيار، ويوشك الفنزويليون على الإطاحة بالنظام القمعي الفاسد، ولا تتفاجأ إذا اتبعت إيران مساراً مشابهاً، ففي هذا البلد تواصل مسيرات الاحتجاج الأقل بروزاً رغم انتشارها الواسع التشكيك في مدى سيطرة الملالي على السلطة.
ويبدو الملالي أكثر اهتماماً بتصدير ثورتهم إلى الخارج بدل التركيز على مساعدة شعبهم، كذلك يدير كلا النظامين دولة بوليسية تُنظَّم فيها انتخابات صورية تضفي على نظام الحكم مظهراً خادعاً من الشرعية الديمقراطية، ولا عجب في أن يكون هذان البلدان صديقين مقربين. اعتاد شافيز التوجه غالباً إلى طهران، موحداً بين الصرخة اللاتينية "أيها الأميركيون، عودوا إلى وطنكم!" وصيحة الإيرانيين "الموت لأميركا"، وسرعان ما أُنشئت رحلات جوية مباشرة بين البلدين، كذلك استخدم حزب الله اللبناني التابع لإيران وعملاء إيرانيين آخرين فنزويلا لتبييض الأموال، وبإمكان المسؤولين الإيرانيين الذي يرغبون في تفادي العقوبات الأميركية الحصول بسهولة على جوازات سفر فنزويلية، واليوم يجد هذان النظامان نفسيهما في مركب واحد. ربما لا تواجه طهران حالياً غضباً عالمياً ككاراكاس، فيعشق الأوروبيون كثيراً صفقة أوباما النووية، مما يعميهم عن انتهاكات حقوق الإنسان وعن إرهاب إيران وتجاربها الصاروخية التي تهدد قارتهم. لكن اهتمام أوروبا بطهران لا يمكن أن يذهب أبعد من ذلك، فقد اضطرت الشركات الأوروبية الكبرى للإحجام عن التعامل مع الجمهورية الإسلامية تحت الضغط الأميركي، وعبّر البعض في الأوساط الحاكمة في طهران، بمن فيهم الرئيس السابق محمود أحمدي نجاد، علانية عن خشيتهم من أن النظام قد ينهار، ومع رؤية نظام نيكولاس مادورو ينهار، لا بد من أن المسؤولين الإيرانيين يتساءلون عما إذا كانوا سيواجهون المصير ذاته قريباً.لا شك أن الرئيس ترامب يساهم في تعزيز مخاوفهم هذه، فاستخدمت إدارته بمهارة مواضع الضغط لتدعم خصوم نظامَي فنزويلا وإيران، لكن المنشقين الإيرانيين يواجهون بالتأكيد معركة أكثر صعوبة، فيوضح علي رضا نادر، رئيس منظمة إيران الجديدة: "ما زالت (فنزويلا) تضم بعض المساحة للمعارضة". في المقابل، يؤكد نادر أن القادة الإيرانيين المعارضين للنظام يُسجنون في الحال، ويُعذَّبون، ويُقتلون غالباً. في حين يتمتع زعيم المعارضة الفنزويلي خوان غوايدو بدعم الديمقراطيات حول العالم، يبدو زعماء المعارضة الإيرانيون داخل البلد معزولين، وفي المقابل تحظى الشخصيات المقيمة في الولايات المتحدة كرضا بهلوي، ابن الشاه الراحل، بشعبية في الداخل، إلا أنها تعيش بعيداً عن إيران.لكن هذا لم يمنع وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو من الترويج للقائه الشخصي هذا الشهر مع مسيح علي نجاد، ناشطة إيرانية مقرها في بروكلين تقود حملة ضد الحجاب الإلزامي، حيث ولّد اللقاء ضجة كبيرة داخل البلد، لأن نجاد بشعبية كبيرة، فجدد النظام الإيراني تهديداته ضد عائلتها وندد بها ناعتاً إياها بالخائنة وأوصاف أسوأ، وأكدت نجاد: "شددت على أهمية إجراء انتخابات حرة في إيران حيث يجب السماح لكل المرشحين بالمشاركة، كذلك من الضروري احتساب كل الأصوات".أما في فنزويلا، فترى نجاد أن الظلم استشرى، وبعد انتخابات غير مشروعة، انفجر الشارع، ولا بد من أن الملالي الإيرانيين، الذين يخشون كثيراً توق نجاد وإيرانيين آخرين إلى إنهاء الظلم، يرتعدون حين يشاهدون خلفاءهم القدماء في كاراكاس يترنحون.* بيني أفني* «نيويورك بوست»
مقالات
لمَ يُقلق نضال فنزويلا في سبيل الحرية الحكام الإيرانيين؟
17-02-2019