لا تنسني
لا تنسني... رواية إيرانية صادرة عن المجلس الأعلى للثقافة في مصر، من ضمن المشروع القومي للترجمة، من تأليف مريم جعفري، وترجمة هويدا عزت، ومراجعة وتقديم بديع جمعة.الرواية وقعت في خطأ جسيم، في رأيي، بسبب الترجمة، فالمترجمة ارتأت أن تنقل معظم فصول الرواية باللهجة المصرية، وخلطها مع اللغة العربية، لكن معظمها جاءت ترجمته بالعامية المصرية، مما سبّب ارتباكاً كبيراً للقارئ في تلقي النص، خاصة للقارئ الخليجي أو العراقي المتجاور والمتعايش مع الشعب الإيراني والمدرك تمامًا لعاداته وتقاليده وأسلوب حياته، ويفهم تماماً حضارته، وطريقة التعامل واضحة ومعروفة بين شعوب هذه المنطقة، فبالتالي كان صعباً تقبّل طريقة الكلام والتعبير باللهجة المصرية التي لم تركب على الشخصيات الإيرانية، ولم تشبهها في نطقها وأسلوبها بالكلام وردود أفعالها، كما عكستها اللغة، وتنافرت تمام التنافر معها، لأنها لا تشبهها ولا تنطبق أو تركب مع سلوكها، فاللغة شكلاً قادرة على أن تقلب صورة المتحدث بها وفقاً للغة التي يتكلم بها، لكن في الوقت ذاته حين تكون اللغة مكتوبة فهي تنقل للقارئ إحساسها بالحضارة الآتية منها وتعكسها تماماً.وحين يكون التحدث باللهجة المصرية، في كبسة زر، ستحضر الشخصية المصرية بكل عاداتها وتقاليدها وأسلوبها وتصرفاتها، وستتجلى بحضورها المتجسد على الورق، فكيف يصدق القارئ ويندمج بالشخصية الإيرانية المكتوبة، وهو يعرف طبيعتها وطريقة تفكيرها وردود أفعالها، التي تتعارض تماماً مع الحضور الطاغي للشخصية المصرية بعاداتها وتقاليدها التي تعكسها لهجتها في الكتابة المركّبة على لسان شخصية إيرانية، وحتى الشخصيات الإنكليزية تتحدث بالعامية المصرية، مما ينافى مع شخصياتها؟
اللغة العربية لغة محايدة تجريدية، لا توحي ولا تحيل إلى جنسية شخصية بعينها، مثلها مثل اللغة الإنكليزية، لأنها لا تنقل للقارئ شخصية الشعوب مثل اللهجة العامية التي هي روح وجوهر الشعوب، فهي منهم وإليهم نابعة من انفعالاتهم وأحاسيسهم التي انصهرت وتلبّست ثم تُرجمت بها، لذا باتت اللهجة "نيجاتيف" لشخصيتهم مثل الثوب ولابسه.لذا، كان من الصعب الانسجام والتصديق والقبول بهذا الإيراني وزوجته الإنكليزية يتكلمان بالعامية المصرية، مما فصلني تماماً من الاندماج مع أحداث الرواية التي لم تتطابق لغتها مع منطق العرق الفارسي، وبات التنافر واضحاً بين ما توحي به اللهجة المصرية وبين طبيعة الشخصيات الإيرانية ومنطق سلوكياتها، مما باعد بيني وبينها، رغم جمال الرواية القائمة على صراعات واختلافات بين العادات والتقاليد والسلوك والأديان والفكر، واختلاف الثقافات بين الشرق والغرب، مما خلق تصادماً ما بين حضارة الشرق وحضارة الغرب.وهناك الصراع الوجودي النفسي لبطل الرواية "أرسلان"مع ذاته الضائعة غير المتحققة في أي طريق يسلكه لا يجني من ورائه إلا الخيبات والتعاسة، برغم أنه ولد لأب تاجر سجاد غني لم يقصر معه، فهذا الولد حلم حياته الذي تحقق بعد ثلاث بنات، بالكاد حصل على الدبلوم، ولم يُكمل دراسته الجامعية، ولم يتحمل مسؤوليات أي عمل، زوّجه والده حتى يتغير سلوكه بمسؤولية الزواج، لكنه طلّق زوجته بعد فترة قصيرة وقرر الهجرة إلى لندن، وهناك أصبح مليونيراً من لعب القمار، وتعرف على "كيت" الإنكليزية وتزوجها، وغيّرت حياته، وأصبح جادًا بعمله التجاري، لكن اختلاف الثقافات والعادات بين الشخصيتين خلق تصادما متصاعدا، حتى ولادة طفلتهما لم تقرّب بينهما، وينتهي الصراع بالطلاق عندما يكتشف خيانتها مع شريكه الإنكليزي ديفيد.يأخذ الطفلة ويعود إلى طهران ليتزوج فتاة جامعية جميلة، وبعدها يكتشف أنه عقيم عندما أرادت زوجته أن تخلّف منه، فيطلقها ويأخذ الطفلة معه إلى لندن، ليضعها في ملجأ للقطاء، ويشتري مسدساً ليقتل به زوجته وعشيقها ديفيد لخداعهما وغشهما له طوال الوقت."يلبد" لهما في الشاليه الذي يقضيان فيه شهر العسل بعد زواجهما، وحينما يحضران يهاجمهما بالمسدس ويصوبه نحو ديفيد الذي فوجئ أيضاً بمعرفته بعقم أرسلان، والطفلة ليست ابنته، ويكتشف أنه مخدوع مثله مثل الإيراني، وقبل أن تقر كيت بمن هو والد الطفلة يحصل زلزال مفاجئ، فينهار الشاليه عليهم، تموت على إثره كيت وديفيد، ويعود أرسلان وحده إلى إيران محطماً مهزوماً، وبعد مرور فترة زمنية يكتشف بالمصادفة أن زوجته الأولى التي تزوجها في عشرينياته لم تتزوج من بعده، فيعود إليها لقبولها بعقمه، ومعها يفتح صفحة جديدة للتصالح مع نفسه والرضا معها من بعد الضياع.