«تجمّع البرغوث وحمار فوزان!»
ما دار في لقاءات وارسو حول إيران لم يتجاوز الفرقعات الإعلامية وعبارات الاستهلاك السياسي، والمجتمعون يعلمون بالإجماع أنه لا حرب مع إيران ولا هم يحزنون، فلا الظروف السياسية ولا الأوضاع الاقتصادية ولا التوازنات الدولية، ولا حتى الإرادة الذاتية في دول الخليج أو إيران ذاتها أو القوى الكبرى تسمح بمثل هذه المواجهة.
"تجمع البرغوث وحمار فوزان" مثل كويتي شهير يحكي مأساة عابر سبيل أنهكه السفر، فنزل في خربة من أجل استراحة قصيرة لم ينعم بها، حيث هاجمه البرغوث فأخذ يحك جسمه من موضع لآخر ويتلوى من ألم قرص البراغيث، وفي الوقت نفسه ارتفع صوت نهيق الحمار من شدة ألمه من هجوم البرغوث أيضاً، فتضاعفت هموم فوزان وأوجاعه، فلا راحة جسدية ولا راحة نفسية وفي وسط خربة مهجورة.هذه حال العرب على مدى عقود من الزمن، فمن مصيبة لأخرى، ومن أزمة لأزمة، ومن دمار لآخر، وسط خربة اسمها الشرق الأوسط، وبعد سنوات من تبعات ما يعرف بالربيع العربي، وبمجرد ظهور مؤشرات اندحار "داعش" وعلامات الاستقرار في سورية واليمن والعراق وليبيا، وترقب موعد الاستراحة من الحروب المدمرة وتشرد الملايين ودمار البيوت، أطل علينا دونالد ترامب ليأخذنا في خربة وارسو، وليجمع العرب تحت ذريعة مواجهة إيران، وليجلسهم مع رئيس وزراء الكيان الصهيوني على طاولة واحدة في مسعى أخير اسمه صفقة القرن أو الإعلان عن التطبيع مع الكيان الصهيوني.
ما دار في لقاءات وارسو حول إيران لم يتجاوز الفرقعات الإعلامية وعبارات الاستهلاك السياسي، والمجتمعون يعلمون بالإجماع أنه لا حرب مع إيران ولا هم يحزنون، فلا الظروف السياسية ولا الأوضاع الاقتصادية ولا التوازنات الدولية، ولا حتى الإرادة الذاتية في دول الخليج أو إيران ذاتها أو القوى الكبرى تسمح بمثل هذه المواجهة، لأنها مجازفة عقيمة الجدوى مجهولة النتائج ودمار لشعوب المنطقة لا غيرهم.لذلك فإن العنوان الإيراني مجرد غطاء للتطبيع مع إسرائيل بشكل رسمي ونهائي، والعويل الأميركي لا يعدو تبريراً لمزيد من ابتزاز الأموال، حتى الصفقة اليهودية تكون بالمجان ودون أي مقابل، فنقل السفارة الأميركية إلى القدس وضرب الفلسطينيين ليل نهار أمام مرأى ومسمع العرب يعكسان هذا الإذلال، واتفاقيات السلام السابقة بدءاً بمصر ومروراً بالأردن والسلطة الفلسطينية شملت على الأقل تنازلات رسمية ولو شكلياً مقابل التطبيع والاعتراف بإسرائيل، ولكن استراحة وارسو القصد منها التطبيع المجاني والمذل بعيداً عن القضية الفلسطينية، بدليل أن مؤتمر وارسو لم يأت على ذكر فلسطين لا من قريب ولا من بعيد.المشكلة أن العرب كانوا يشعرون بحواسهم الخمس أنهم في قمة المهانة، فالوفود المشاركة كانت تتهرب من الإدلاء بأي تعليق، ولقاء نتنياهو كان يتم عبر الأبواب الخلفية، والصورة الجماعية ورئيس الوزراء الصهيوني في الوسط وفي الصف الأول تحمل دلالات هذا الذل.الإهانة العربية لا تقف عند هذا الحد، ولكن تتويجها أن الراعي الأول للمؤتمر، وهو ترامب، ملاحق في بلده بتهم تزوير الانتخابات وفضائح مالية وأخلاقية، وكذلك نتنياهو الملاحق قضائياً في قضايا الرشوة والفساد، فإذا كانت هذه العروس وهذه أمها فأبشروا يا عرب بعرس الزين!