هل يخسر بوتين احتكار روسيا الغاز؟
الأصوات الواعية في أوروبا، تسأل: هل يجب أن تربط أوروبا نفسها بخط أنابيب يعتمد على حسن سلوك دولة ضمت القرم بطريقة غير مشروعة، وبدأت حرباً في شرق أوكرانيا، وأنكرت إسقاطها طائرة ركاب، وتدخلت في سورية لتنقذ عميلاً، وانتهكت بكل وقاحة قانون البحار بسيطرتها على سفن بحرية وبحارة أوكرانيين؟
اتخذ الاتحاد الأوروبي الخطوة الأولى في تصويت الثامن من فبراير لتحويل غازبروم، تلك الشركة الروسية التي تحتكر الغاز، من أداة لسياسات القوة الروسية إلى منشأة منظمة لا تتمتع بأي صلاحيات احتكار، وفي تطور غريب وجدت ألمانيا، التي تزعم أنها حامي الوحدة الأوروبية، نفسها معزولة عن سائر دول أوروبا التي وقفت إلى جانب الرئيس الأميركي ترامب، ولا شك أن هذه جرعة دواء مُرة اضطرت ألمانيا إلى ابتلاعها.في هذه الأثناء، اشتكى بوتين وألمانيا من أن الهدف الوحيد وراء تدخل الولايات المتحدة بيعها غازها الطبيعي المسال المكلف إلى أوروبا، ففي حين اجتمع ممثلو الاتحاد الأوروبي الدائمون في بروكسل للتصويت على مبادرة الغاز لحزمة الطاقة الثالثة في الاتحاد الأوروبي، بدا "تيار الشمال 2"، وهو مشروع إنشاء خط أنابيب روسي تحت البحر، مهدداً. حتى حليف ألمانيا الأقرب فرنسا أعلن نيته التصويت ضد المشروع الألماني-الروسي، ومن دون فرنسا تعجز ألمانيا عن منع تصويت مضاد لمشروع "تيار الشمال 2"، ونتيجة لذلك انطلقت ميركل القلقة في مساعٍ دبلوماسية حثيثة، وفي مفاوضات سريعة توصلت ميركل والرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إلى اتفاق تسوية سمح لكل الأطراف الاستمرار للقتال يوماً آخر. تعارض أوروبا الوسطى والشرقية وأوكرانيا بقوة بناء غازبروم المشروع الروسي الألماني بالتعاون مع خمس شركات من عمالقة الطاقة الأوروبية، ويرتكز اعتراضهم على فكرة أن "تيار الشمال 2" سيتخطى أوكرانيا وخطوط الأنابيب الأخرى التي تحمل حالياً نحو نصف غاز روسيا إلى أوروبا عبر أراضيها، وسيحوّل "تيار الشمال 2" ألمانيا إلى محور تجارة الغاز وتوزيعه، وستنشأ الحاجة إلى بناء بنية نقل غاز جديدة للاقتصادات الواقعة شرق برلين. صحيح أن داعمي هذا المشروع يؤكدون أن "تيار الشمال 2" لن يزيد اعتماد أوروبا على الغاز الروسي (بسبب المنافسة من الغاز الطبيعي المسال)، إلا أن "تيار الشمال 2"، مع خط أنابيب "السيل التركي" الذي تقترحه غازبروم، سيحاصر سوق الطاقة الأوروبية من الجنوب والشرق في مرحلة بدأ فيها إنتاج بحر الشمال بالتراجع.
علاوة على ذلك لا يتمكن الغاز الطبيعي المسال بأسعاره الحالية من منافسة الغاز الروسي الذي يُضَخ بالأنابيب.كشف هجوم ميركل المضاد مدى عمق التزامها بـ"تيار الشمال 2"، فقد ضغطت على رومانيا، التي تعارض خط الأنابيب هذا، والتي رأست اجتماع الثامن من فبراير، لتقديم اقتراح بديل للتصويت، وراحت خطوط الهاتف بين باريس وبرلين ترن فيما سعت ميركل للتوصل إلى تسوية تحظى بدعم فرنسا، وعندما اجتمع المفوضون في يوم الجمعة، مرروا مع صوت معارض واحد (بلغاريا) التسوية التي وضعتها ميركل. أما الخطوة التالية، فتشمل الموافقة المتوَقعة من البرلمان الأوروبي قبل الانتخابات البرلمانية في شهر مايو عام 2019، حسبما يُفترض.تتمحور نقطة الخلاف الرئيسة حول ما إذا كان الاتحاد الأوروبي سيُخضع خطوط الأنابيب الآتية من مصادر خارج الاتحاد الأوروبي، مثل "تيار الشمال 2"، لتنظيمات هذا الاتحاد، كما تنص حزمة الطاقة الثالثة للاتحاد الأوروبية. تفرض قواعد الاتحاد الأوروبي على خطوط الأنابيب العاملة داخل السوق الأوروبية فصل النقل عن الإنتاج. وبالنسبة إلى "تيار الشمال 2"، يعني هذا أن على غازبروم، التي تحتكر غاز روسيا الطبيعي، بيع خط أنابيبها إلى طرف ثالث كي تفصل الإنتاج عن الإيصال، كذلك يُخضع تطبيق توجيهات الاتحاد الأوروبي على "تيار الشمال 2" الغاز الروسي المباع في أوروبا لتنظيمات بروكسل، وتلغي تنظيمات مماثلة حظر غازبروم السابق إعادة بيع غازها إلى دول أخرى، وتمنع غازبروم أيضاً من منح معدلات مؤاتية للأصدقاء ومعاقبة الخصوم بأسعار أعلى. قضت التسوية بأن تتولى ألمانيا مهمة التأكد من أن غازبروم تحترم قواعد الاتحاد الأوروبي بشأن فصل الإنتاج عن النقل، وتنظيمات الأسعار، وإمكان أطراف ثالثة ولوج شبكتها من خطوط الأنابيب.لكن تكليف ألمانيا بمهمة الإشراف على تنظيمات "تيار الشمال 2" أشبه بتكليف الثعلب بحراسة قن الدجاج. صحيح أن ميركل تواجه في حزبها الخاص مَن يرفعون الصوت معارضين "تيار الشمال 2"، إلا أن شركاءها في الائتلاف الحاكم، الحزب الديمقراطي الاشتراكي الألماني، كانوا دوماً من أشد الداعمين لـ"تيار الشمال 2"، علماً أن رئيس هذا الحزب هو المستشار الألماني السابق غيرهارد شرويدر. تشعر ميركل بأنها مكبلة بسبب ائتلافها المتقلقل مع الحزب الديمقراطي الاشتراكي، وإذا عارضت "تيار الشمال 2"، فلا شك أن حكومة "الائتلاف الكبير" التي ترأسها ستنهار، مما سيفرض تنظيم انتخابات جديدة لا يستطيع أحد أن يضمن نتائجها.تبنت الولايات المتحدة بقيادة ترامب موقفاً متشدداً معارضاً من "تيار الشمال 2"، فقد أعلن ترامب رفضه خط الأنابيب هذه في قمة حلف شمال الأطلسي في شهر يوليو، كذلك هدد السفير الأميركي إلى ألمانيا، ريتشارد غرينيل، الشركات الأوروبية الخمس الشريكة في هذا الخط بالعقوبات إذا تعاونت مع خطة "تيار الشمال 2"، لكن روسيا وداعمي "تيار الشمال 2" في ألمانيا يشتكون من أن الولايات المتحدة تحاول فرض غازها البيعي المسال العالي الكلفة على أوروبا وأنها تعارض "تيار الشمال 2" كي تحقق مكاسب تجارية أنانية.أما الأصوات الواعية في أوروبا، فتسأل: هل يجب أن تربط أوروبا نفسها أكثر بخط أنابيب يعتمد على حسن سلوك دولة ضمت القرم بطريقة غير مشروعة، وبدأت حرباً في شرق أوكرانيا، وأنكرت إسقاطها طائرة ركاب، وتدخلت في سوريا لتنقذ عميلاً، وانتهكت بكل وقاحة قانون البحار بسيطرتها على سفن بحرية وبحارة أوكرانيين، وتقود بلا هوادة حرباً همجية وحملة دعاية ضد الغرب؟ألم يحن الوقت لتعاقب أوروبا وسائر دول العالم دولة مارقة في قلب أوروبا على انتهاكاتها الكثيرة للأعراف والقانون الدولي؟* بول غريغوري*«فوربس»
ألم يحن الوقت لتعاقب أوروبا وسائر دول العالم دولة مارقة في قلب أوروبا على انتهاكاتها الكثيرة للأعراف والقانون الدولي؟
الشركة الروسية «غازبروم» التي تحتكر الغاز تحولت من أداة لسياسات القوة الروسية إلى منشأة لا تتمتع بأي صلاحيات احتكار
الشركة الروسية «غازبروم» التي تحتكر الغاز تحولت من أداة لسياسات القوة الروسية إلى منشأة لا تتمتع بأي صلاحيات احتكار