خارج السرب: فأس كانط الاقتصاد ومسمار جحا القروض
صديقي من ذوي الاقتصاد نسباً، والتنمية حلفاً، وشهادته ليست من بقالات "مشّي حالك"، بل من جامعات "محكحكةٍ معادنها"، هذا الصديق استمر نصف ساعة وهو يشرح لي وجهة نظره حول ضعف وركاكة قضية إسقاط القروض وعدم ملاءمتها لكل قواعد الاقتصاد ونظرياته، وطوال نصف الساعة ذلك وأنا صامت أهز رأسي موافقا كل عبارة سردها بشكل يستحق عليه جائزة المعوذات والنفث العاجل في وجهه. لا أقولها مجاملة فلا شيء مما ذكره يناقض ما أعرفه، وهو كقول نظري يستحق الامتياز مع مرتبة الشرف ولكن! وهنا حكما في ظل واقع معكوس لا بد أن يبقى في القلب شيء واقعي من لكن كلام صديقي، يجعل واقع الحال يتميز غيظاً مع مرتبة القرف! بعد أن أنهى صديقي كلامه قلت له: هل تعرف فأس كانط؟ قال نعم، قلت له: ومسمار جحا هل تعرفه؟ قال: ومن لا يعرف جحا ومسماره؟ فابتسمت وقلت: ممتاز، إذاً سهلت عليّ الأمور، كانط كان له نظرية أخلاقية تفترض أن الكذب غير أخلاقي بالمطلق، وبكل الأحوال، وضرب لذلك مثالا بشخص يقف أمام كوخ وصديقه في الداخل، ويأتي رجل مع فأس يريد قتل صديقه المختبئ داخل الكوخ، فيسأله عن مكانه، فهل يصدق فيدل القاتل على الصديق أم يكذب فينقذ صديقه؟
كانط "المسودن" يقول: إن هذا الشخص يجب ألا يكذب مهما كانت النتيجة، فالكذب عمل غير أخلاقي ولا يمكن تبرير اقترافه بأي شيء حتى لو كانت روح الصديق و"رقبته" على المحك، قال الصديق: نعم أعلم هذا، ولكن ما دخل مسمار جحا؟! قلت له: حنانيك يا بتاع النظريات الاقتصادية، تعلم طبعا تفاصيل مسمار جحا وكيف أجّر بيته لرجل بشرط أن يزور المسمار المدقوق بالجدار في أي وقت لأنه عزيز عليه فوافق الرجل، وبعدها صار جحا يزور الرجل كل ساعة، فيتغدى عنده ويتعشى حتى صار المسمار حجة من لا حجة له، وحرم الرجل من الراحة في بيته المستأجر، قال صديقي نعم، ولكن ما الرابط؟! ابتسمت وقلت له أنت وغيرك بموقفكم من قضية القروض بمثابة كانط بشحمه ولحمه ونظرياتهم فأسه بحديدها الحامي، أنتم غارقون بنظرياتكم الاقتصادية وتعتبرونها نصوص الواقع المقدسة، في حين الواقع في واد ونصوص نظرياتكم في واد آخر! يا صديقي عندما يدفع المواطن البسيط ثلاثة أرباع راتبه سواء في قرض أو إيجار أو رسوم دراسية وتكاليف صحية اضطر لها فنظرياتكم كلها هنا لا تساوي عنده جناح بعوضة! هنا المواطن لا يحتاج إلا للقدوة ومعرفة أن ما يجري عليه يجري على غيره، فلا ترفعوا في وجهه نظريات فأس كانط، وهو يرى الملايين تذهب عن يمينه وشماله ومن ورائه وأمامه ومن فوقه وتحته إلى مشاريع فاشلة لا يحاسب أصحابها، وكروش فاسدة ربطت مصران مصالحها الأعور بمصير مستقبل أولادنا، وترضيات لم ينزل بها الدستور من سلطان، وهدر لا يُسد رقع له حتى ينفتق غيره وغيره وغيره! ابتسم صديقي وهمس لي: ومسمار جحا؟ قلت له: أنت نظرياتك يا صديقي كانت فأس كانط الذي يحاول الاحتطاب في غابة جرداء فقدت أشجارها، فكلام غيرك يا صديقي حول العدالة والاقتصاد والوطنية هو مسمار جحا، وإن كنت أعرف حُسن نيتك فغيرك وخصوصا من لا يظهر إلا عند حشرجة صوت المواطن البسيط سواء كان من برجوازية البلعة ورجال الدين إلا من رحم الله، أو من المتفلسفين المتثيقفين من الإعلاميين والإعلاميات، الذين يغيب صوتهم وتذهب حناجرهم في إجازة صمت طويلة، بحيث لا تسمع لأوتارها ركزاً عند هدير عواصف الفساد والهدر. هؤلاء كل مصطلح لهم رافض لإسقاط القروض كالعدالة والعجز و... و... إلخ، وهو مسمار جحا يريد صاحبه أن يتغدي ويتعشى على حساب معاناة المواطن البسيط، وما بين حانا فأس كانط التي يحملها الصادقون مثلك يا صديقي ومانا مسمار جحا الذي دقّ في صدر معاناة الآلاف ضاعت لحى رواتب المواطنين البسطاء، وأكلت فأرة المآرب والمصالح سد رفاهيتهم حتى تصدع. يا صديقى لا توجه فأس كانط نحو ضحايا القروض المساكين، بل وجهه نحو مسمار جحا و"حيلك فيه" وسنكون لك من الشاكرين.