استهل الكاتب ميشال معيكي الندوة حول كتاب «القلق في شعر بدر شاكر السياب» بمداخلة تمهيدية، قال فيها: «إننا أمام بحث متعمق أضاء على بدر الإنسان في تكوينه النفساني، والعاطفي، والوجودي، وانتظامه مناضلاً من أجل قمحة الحياة وكرامة الفرد والمجتمع وحقوق الطبقات المسحوقة...». استذكر فترة مجيء السياب إلى لبنان، واحتضانه من مجلة «شعر» و«خميس» يوسف الخال، وفؤاد رفقة، والماغوط، وشوقي أبي شقرا، وأنسي الحاج، وأدونيس، حيث كانت بيروت منصة لانطلاق الحداثة الشعرية في العالم العربي.
بين القلق والشعرية
أشارت الدكتورة مها خير بك في كلمتها إلى أن «فيصل طالب امتلك أدوات نقدية خصبها بفعل إبداعي خاص أنتج تفاعلهما قراءة معمقة للقلق في شعر السياب أثبتت فرضية الخصوصية والتمايز».أضافت: «ذهب الكاتب إلى أن تكرار حالات الخطر التي تعرض لها الشاعر كانت توقظ في نفسه قلقاً هاجعاً «بالقوة»، فتحيله في لحظات الاستشعار المتدفق بالاضطراب والتأزم إلى قلق «بالفعل»، وأن شعور السياب بالقلق تحول من الذاتية إلى الإنسانية الكونية، من خلال النزعة التي تبحث عن خلاص أرضي له طابع الكلية والشمولية».بدوره نوه الدكتور هاشم الأيوبي بالكاتب «الذي أعطى وهو في مسؤولية الإدارة من شغفه بالثقافة زخماً قوياً لمسار الوزارة في الارتقاء، ولم يغادره هذا الشغف بعد تحرره من الإطار الوظيفي»، معتبراً أنه «ينتمي إلى جيلنا وإن كان أكثر شباباً»، ومستذكراً الأجواء العامة في أواخر الستينيات وهزيمة يونيو وموت عبدالناصر... عندما حل القلق على جيل ذاك الزمان المتفاعل مع ما يجري حوله من مسببات لقلق وجودي.أضاف: «يدرك المؤلف العلاقة بين القلق والشعرية، وإن لم يجعل من ذلك محوراً مستقلا، على قاعدة أن الاسترخاء لا يولد شعراً والنفس المحايدة لا تبعث بالشرر في القصيدة، وهو لم يترك حالة من حالات القلق في شعر السياب إلا وسجلها، وما أكثر هذه الحالات وما أكثر مستوياتها». وتمنى الأيوبي لو أن الكاتب توسع في الإضاءة على لغة القلق في شعر السياب، مقترحاً أن يكون ذلك في كتاب جديد.مأساة سيزيف
أشار الدكتور وجيه فانوس إلى أن فيصل طالب يرى في قلق السياب ما يمكن أن يذكّر المرء بمأساة سيزيف، في حمله الصخرة ومحاولاته الدائبة الصعود بها إلى القمة، وأن الكاتب اعتمد في بحثه على منهج مركّب يقوم على مناهج عدة: النفسي والاجتماعي والجمالي، فضلاً عن البعد الذاتي في تفاعله مع السياب وشعره.أضاف: «توصّل الكاتب إلى أن الرومانسية التقليدية (الخيالية) لم تشكل مفتاح الحل للقلق السيابي، بل الرومانسية الثائرة التي تجلت في كون الثورة السيابية ثورة رد فعل وثورة رأي ورؤية، وأن الإحباط الذي وقع فيه الشاعر المنبثق عن واقع لا يمكن تغييره أوصل السياب الى اعتماد الأسطورة والرمز فعلي تعويض وثورة»، متمنياً لو أن الكاتب حوّل جنين العمل إلى توجهات عدة، خص كلاً منها بكتاب، وهو قادر على ذلك بالاستناد إلى عراقته الأكاديمية وغنى تجربته الثقافية.زمان الشاعر والزمن الحاضر
اختتم فيصل طالب الندوة بكلمة اعتبر فيها أن الشعراء رغم أنهم لم يفلتوا من براثن القلق، على قاعدة أن المعاناة أصل لكل إبداع، «فإن للقلق السيابي سمة لا تشبه أياً من سمات القلق لدى كل شعراء الأرض، لأن عوامل القلق التي تجمعت في نفس الشاعر، من شخصية وعائلية واجتماعية واقتصادية وصحية وسياسية، ليس لها مثيل، وأن أزمة الشاعر كانت جزءاً من الأزمة العامة في بلاده والمنطقة». أضاف: «كانت قصائد السياب مرآة لتجارب وجودية مبكرة في الأدب العربي الحديث، وإن لم يكن قلقه فلسفياً وجودياً يستند إلى مرتكزات فكرية واضحة. شعرية القلق هذه هي النذير العاطفي والتمثل الحقيقي لرهاب المتاهات وعصف التحولات التي اجتاحت الشاعر في سعيه إلى الحضور الحي». ربط طالب بين زمان الشاعر والزمن الحاضر، متسائلاً: «ترى هل اختلف زمان السياب عن زماننا، فغادرتنا أسباب القلق واقتربنا من آخر النفق، أم أننا لا نزال على حافة الهاوية نصدح من حنجرة مسكونة بالاحتضار، أو نقف على حدود النبض نرسم بكائيات الوجع المنتحب على الجدران المتهالكة لـ«مدن الملح» من المحيط إلى الخليج، نحن الطاعنون بالقلق منذ صرخات الولادة؟».