لقاء ممتع نشرته أمس "الجريدة" مع ناشر صحيفة نيويورك تايمز آرثر سولزبيرغر تحدث فيه عن عدة قضايا صحافية من بينها مستقبل الصحافة الورقية ورؤيته للصراع بينها وبين النشر الإلكتروني وكيفية مواصلة العمل في بيئة تتغير بصورة متسارعة.عن مستقبل الصحافة المطبوعة يقول سولوبيرغر ما قد يعتبر مفاجئا لمن يتوقعون نهاية قريبة للصحف الورقية: "أظن أن الصحافة المطبوعة ستستمر أكثر مما يتوقع معظم الناس. يدفع مليون شخص المال مقابل الصحف الورقية، ما يعني أنهم يشكلون قاعدة وفية من القراء ويخصصون وقتاً طويلاً لقراءة الصحف كل أسبوع، أضف إلى ذلك أن هذا المجال لا يزال مرتبطاً بقطاع إعلاني واسع ومُربِح. ما دام الناس يريدون قراءة الأخبار في صحف مطبوعة، أتمنى أن نتمكن من متابعة تقديمها لهم بهذه الطريقة".
تلك الرؤية أتفق معها تماما استنادا إلى قانون الطلب والعرض وميول القطاع الإعلاني الذي اعتبره هو المحرك الوحيد لصحافة القطاع الخاص التي هي حقيقتها شركات تجارية هدفها الربح، وبدونه لن تستطيع دفع رواتب العاملين فيها، وتحمل كل مصاريف عملية إنتاج الصحيفة بصورتها النهائية، وطالما استمر وجود القاعدة الوفية من القراء ومعلنين يرون في الصحيفة الورقية مكانا مناسبا ستستمر الصحف لفترة غير محدودة.الإجابة الثانية لسولزبيرغر سنجد فيها الكثير من الإشارات المضيئة لمفهوم البقاء للصحف الورقية، إذ لا يعتمد فقط على عاملي قاعدة القراء الأوفياء والمعلنين بل تدخل معه عوامل جديدة فرضها عالم الإعلام الرقمي والأجيال الجديدة التي ستأخذ مكان القاعدة الوفية بحكم طبيعة الأشياء.يجيب سولزبيرغر عن السؤال، ألا تعرقل الصحف المطبوعة استراتيجيتك الإلكترونية؟: "لا، لكنّ أكبر تغيير خاضته هذه الشركة في آخر خمس سنوات يتعلق بعدم حصر عملنا بالمطبوعات، بل إننا تحولنا إلى منظمة إخبارية رقمية تُصدِر في الوقت نفسه صحفاً مطبوعة. لا يمكننا أن نتكل على الصحف المطبوعة لتحقيق طموحاتنا الصحافية في المستقبل القريب، يجب أن تتمكن العائدات الرقمية من تمويل مكاتبنا في العراق أو أفغانستان ورحلاتنا إلى الجبهات في اليمن، ويجب أن تدعم عملنا الذي امتد على 18 شهراً لاستكشاف الوضع المادي للرئيس وتُموّل مكتب واشنطن الذي يشمل 100 مراسل، لذا يصبّ تركيزنا على جني المال في القطاع الرقمي". إجابة صريحة وواقعية، تطوير العمل ضروري لجني المزيد من المال لتمويل المؤسسة الصحافية التي أصبح شكلها الحالي، منظمة إخبارية رقمية تصدر منها صحف مطبوعة، من يريد الاستمرار فعليه مواجهة التحديات بإجراءات تسابقها، وقد تستمر كما استمر الفحم في زمن النفط كمصدر للطاقة، ولكن ما حجم السوق الذي يعمل فيه وما عدد المستفيدين منه؟زولزبيرغر لم يذكر في حواره المطول كلمة عن أهمية إنشاء قناة تلفزيونية ترفد عمل الصحيفة الورقية، ربما لأنها أيضا مكلفة ماديا وبديلها هو البث الرقمي لنشرات إخبارية في استديوهات مصغرة يجد قبولا لدى مستخدمي الهواتف الذكية، وفي اعتقادي لا يزال مستقبل التلفزيون أفضل بكثير من الصحف والراديو وسيستمر بهيئته المعتادة لفترة أطول من جميع وسائل الإعلام التقليدية.
مقالات
الأغلبية الصامتة: منظمة إخبارية رقمية
21-02-2019