مبررات تكرار المطالبة بإسقاط القروض حصيلة نهج خاطئ
موروث منذ زمن الرواج المؤقت لسوق النفط
تناول الشال في تقريره وفقاً لآخر إحصاءات بنك الكويت المركزي التي عرضها محافظ البنك في اجتماع لمجلس الوزراء الكويتي الأسبوع الفائت، أنه لا توجد من الأساس مشكلة قروض، "فالأرقام تؤكد أن التعثر لا يشمل سوى 4677 عميلاً من أصل نحو 552 ألف مقترض، أو نحو 0.8 في المئة من الإجمالي، أي أقل من 1 في المئة". ورأى "الشال"، أن السبب في ضعف مستويات التعثر هو أن نحو 80 في المئة من المواطنين العاملين في سوق العمل هم موظفو حكومة، ولأن السداد مرهون باستقرار سداد الرواتب، تنخفض نسبة مخاطر العجز إلى الحدود المتدنية التي ذكرت، وهي من أدنى معدلات العالم. في التفاصيل، ولدى الحديث عن إسقاط القروض، تأتي الأرقام على أهميتها في مرتبة متأخرة من حيث الأهمية، وتتقدم عليها جملة من المبادئ، مثل عدم دستوريته وخرقه لجملة من القيم، ووضع الاقتصاد الكلي. فالدستور، يكرس مبدأ العدالة، وإسقاط القروض ينسف هذا المبدأ من أساسه، فهناك مقترض، وهناك غير المقترض، وغير المقترض ربما اختار عدم الاقتراض من باب الحصافة والشعور بالمسؤولية، وهو في حالة إسقاط القروض يتعرض لغبن ويتعرض لعقوبة على سلامة تصرفه، ومن المؤكد أن معدلات نمو الاقتراض زادت، ومن دون حاجة، منذ الحديث عن إسقاط القروض.
وضمن المقترضين، هناك تفاوت كبير بين حجم رصيد القرض المستحق، سواء بسبب فروق سقف القرض، أو بسبب التفاوت في مدته، أي هناك من سدد قسطاً واحداً، وهناك من سدد 90 في المئة من أقساطه. وهناك اختلاف جوهري في مبررات الاقتراض، فهناك من اقترض لحاجة ملحة، وهناك من اقترض نتيجة نمط استهلاكي مبالغ فيه، أي دفع ثمن رغبته في المحاكاة والتقليد. ثم هناك منظومة القيم، فالأصل هو أن أولى أولويات صناعة الإنسان هي تنمية قدرته على تحمل مسؤولية قراراته، والإنسان بقيمه الإيجابية هو وسيلة وهدف أي مشروع تنموي ناجح. ويبقى أكبر المستفيدين من إسقاط القروض، ليس المقترضين، ولا البلد، بل المصارف وبائعو السلع والخدمات، ومعظمها مستورد أو خدمات سفر. والوضعين المالي والاقتصادي، يحملان شكوكاً كبيرة حول استدامتهما، فمشروع الموازنة العامة الجديد يخصص نحو 75 في المئة من نفقاتها للرواتب والأجور والدعوم، ووفقاً لتصريح أخير لوزير المالية هي نفقات غير مرنة ولا تمس. والاقتصاد يعتمد في نحو 60 في المئة من تكوينه على النفط، و90 في المئة من نفقات الموازنة يمولها النفط، والنفط يباع حالياً بنحو 60 في المئة من مستوى أسعار عام 2013. ومصدر الأموال الذي هو نتاج بيع أصل اكتشف صدفة في زمن الجيل الحالي، وليس حصيلة نشاط اقتصادي مستدام، أولوياته هي خلق فرص عمل وتعليم ومسكن لعدد من صغار المواطنين قادمين إلى الحياة بأعداد أعلى من عدد الموجودين حالياً في سوق النشاط الاقتصادي، وخلال 15 عاماً فقط، والباقون أكثر.ومبررات تكرار المطالبة بإسقاط القروض هي حصيلة نهج خاطئ، استنته سلطات اتخاذ القرار في البلد، وموروث منذ زمن الرواج المؤقت لسوق النفط، مثاله فوضى الكوادر من دون ربط بالإنتاجية بما خرب سلم الرواتب والأجور في القطاع العام، إضافة إلى التسامح المعيب مع الهدر والفساد. لذلك، من مسؤوليات الحكومة وقف سرقة مستقبل الصغار، أولاً، بتقديم أدلة قاطعة على نجاعة وصدق مواجهتها للهدر في نفقاتها وفسادها، وثانياً بمواجهة كل المطالبات الشعبوية، وأي استثناء إنساني، لابد أن يكون علنياً وفي أضيق الحدود.