«للعام الثاني على التوالي، تستمر الريشة على حدادها. اسودت ألوان الفرح في مثل هذا الشهر قبل عامين، لبس الإبداع رداء الحزن وراح يتقبل العزاء ولا يزال!» بهذه الكلمات استهل رئيس الجامعة الدكتور جوزف جبرا كلمته في المناسبة مثنياً على شخصية وجيه نحلة وإبداعه الفني.

أضاف: «وجيه نحلة ملأ الكون «شرقطة لونية» ووزع «نورانية» هذا الشرق على العالم كله. راح على مدى سنوات تفوقه المديدة، يؤله الجمال والحب والمرأة، ويرسم الشغف المجنون باقة ورع تشتعل فيها مشاعر الوله مع دفء الإيمان، فإذا بعالمه كون عاصف، فيه الأزهار المتلألئة والأحصنة الجامحة والنسوة الموجعات».

Ad

تابع: «وجيه نحلة بـ «شعطته» التجريدية، وجنونه التشكيلي، راح أبعد من حدود العطاء، ووضع للفن إطاراً جديداً ميز مدرسته، فجعل من الحرف جسر تواصل مع بعد جديد للعالم. رفع الزخرفة الحروفية العربية إلى حيث جعل منها عنصر تمايل قادر على الحركة والرقص والانسياب والعزف والغناء والرسم والحب».

ختم: «في ذكرى رحيله الثانية، لا نعزّي عارفيه بغيابه، وإنما نعزي أنفسنا بأن القدير اختار إلى جناته من يعرف كيف يعمم الحب والذوق الرفيع ليزين به ومعه الفردوس. وجيه نحلة: هنيئاً لك حيث أنت، وهنيئاً لنا بما تركت لنا».

إيمان مطلق بالفن

بدوره خاطب الفنان التشكيلي حسن جوني زميله الغائب فقال: «تعارفنا على مودة ما انقطعت يوماً: أنا في بدايات دراستي الرسم، وأنت في بدايات شهرتك وذيوع صيتك، فناناً انطلقت لوحته محتشدة باجتهاد بصري تراثي للحرف العربي مزداناً بزخارفه اللامتناهية، وكل ذلك نابع من حس اختباري لكيفيات استعمال تقنيات أظهرتك فناناً محترفاً عارفاً مكتشفاً معجون كيميائها اللوني».

أضاف: «كنت مطلق الإيمان بالفن رغم تعدد الرؤى والمظاهر، وتلك فضيلتك الأخلاقية المثلى بالتعامل مع زملائك. عرفت بهجتك حين قابلت فنانين على اختلاف أهوائهم ومناحي تعبيرهم بابتسامة شعت بها عيناك قبل وصولها إلى شفتيك. تلك هي قناعتك الدالة على فهم حضاري لتقبل كل عطاء إبداعي».

تابع: «مقدام أنت، وسخي على كرم وعطاء، وجل ما رجوت، تحفيز الفنان على المتابعة من دون أمر يثنيه. أجسامنا التي شكلها الله من تراب، إليه ستعود، غير أن أرواحنا ستظل في ديمومتها كما هي من قبل، وأثناء حلولها فينا، وحتى بعد ارتحالها عنا».

متحف افتراضي

في ختام الاحتفال أعلن مدير مركز التراث اللبناني الشاعر هنري زغيب تخصيص مساحة لأعمال وجيه نحلة الكثيرة، في صدارة المتحف الافتراضي الذي يعمل «المركز» حالياً على تأسيسه، وقاعة كبرى باسمه، رحبة وسع الفضاء الإلكتروني، يزورها الآلاف من كل العالم، في متحف يبقى معرضاً متواصلاً واصلاً لوحة بلوحة، في أناقة شكل وزوغة لون.

وقال في المناسبة: «أخاله داخلاً علينا، كعادته، ببسمته الوديعة وقبعته القرمزية، في يده دفتر طموح الصفحات البيض لاسم لرسم لوسم، وفي جيبه قلم عريض يـحب قبلته الخط العربي. أتذكره كيف منذ سبع عشرة سنة عند تأسيس مركز التراث، كيف كان مندفعا له، كأنه شريك في التأسيس. فأقلعت أشرعة «المركز» في 7 يناير 2002، ووجيه حاضر. لم يطلب مرة أمراً له بل طالب كثيراً لسواه، مندفعاً إلى استذكار أساتذته وزملائه الكبار فكانت ندوات عن مصطفى فروخ، وعمر الأنسي، وجان خليفة، ووجيه حاضر».

أضاف: «حين أزفت ثمانونه، أعاد له «المركز» زهرة وفاء فنظم معرضاً موسعاً رحبت له قاعات قصر الأونسكو، في فبراير 2013. وظلت الجامعة على وفائها له فمنحته الدكتوراه الفخرية في يونيو2015، وزها الوجيه الطيب منحنياً بتواضع الكبار أمام هالة الجامعة التي مـد لها كفه بـحبوب قمح فملأتها له الجامعة ضمة من سنابل».