«عناقيد الزئبق»، مجموعة قصائد أينعت حباً وشغفاً بالحياة وبكل ما فيها من عمق الآلام وإيمان بالرجاء، والحب، والعدالة، وحضور المرأة القوي والفاعل في المجتمع... ترفع الصوت عالياً في وجه الظلم واغتصاب الحق وفي وجه القهر من أي جهة أتى...

أسئلة وجودية تطرحها الشاعرة نهاد الحايك في ديوانها الجديد، لكأنها في كل تجربة تمر بها يرتسم أمامها سؤال حول كينونتها، حول حضورها كامرأة الذي أرادته فاعلاً في المجتمع وكشخص ضمن جماعة يشارك في صنع الأحداث، لا ينتظر ولا يتلقى ولا يكتفي بدور سلبي...

Ad

في قصائد الشاعرة نهاد الحايك تؤدي الثنائية دوراً في إعطاء أبعاد للصور الشعرية التي تزدان بها: عتمة وأنوار، ظلم وظلام، مغادرة ودخول، هروب ولجوء، بحر ويابسة، حرية وعبودية... فتدفع بالقارئ إلى الغوص عميقاً في حنايا الحالات التي ترسمها الشاعرة بيراعها وتطاول شغاف فكره، إذ لا بد من أن تمسّه هذه الحالة أو تلك سواء عاشها هو أو أحد المقربين منه.

القدر، الوقت، المرآة... ثلاثة أقانيم، إذا جاز التعبير، تقف عندها نهاد الحايك في قصائدها، محوّلة إياها إلى أصداف تخبئ في داخلها أسرار الزمان وثواني العمر الهارب وفصولاً من حكاية ألم وانتظار...

بوح وغربة

إذا كان القسم الأول من الديوان «قطاف» ثورة وتمرداً وبحثاً في معاني العدل والسلام... فإن القسم الثاني «بوح» يفيض شغفاً بالحب الذي خضبته الهجرة إلى نيويورك باخضرار الحياة وحمرة الشفق البعيد ورحيق أزهار الحنين.

للعشق عند نهاد الحايك شرارات «نار ونور»، إنه زورق نجاتها من الخيبات، خشبة خلاصها من لجة اليأس والغربة والانكسار، المصدر والغاية، الثابت والمتحول... هكذا هو الحبيب الذي صورته بعطش شوقها وألوان أحلامها ونار قلبها، فأضحى في قصائدها كائناً مشرقاً دافقاً بالحنان والدفء، محور وجودها هو البداية وهو اللانهاية...

«غربة» عنوان القسم الثالث من الديوان (سنوات نيويورك)، في مستهله كتبت الشاعرة: «عدت من الغربة إلى الوطن، وها أنا أقيم فيه منذ سنوات. ولكن، لماذا أشعر غالباً أنني لا أزال في الطريق ولم أصل إليه بعد!!»، هذه الكلمات تختصر قساوة الغربة ووجعها عندما يشعر بها المرء في وطنه، فالشاعرة عاشت تجربة السفر إلى نيويورك سنوات طويلة، وهناك عاشت معاني الغربة وتجرعت آلام الحنين إلى الوطن إلى حضن الأم والأخوة والعائلة، وسجنت في طوق من العزلة، ولكي تخفف من وطأة معاناتها راحت ترسم في حنايا كلماتها مشاهد من طبيعة لبنان رسخت في ذهنها في طفولتها وتطير بيراعها فوق الغيوم محلقة في سماء وطنها وطبيعته وبيتها الوالدي...

كم هو ساحر هذا القلم الذي يحلق بعيداً بعيداً ليسترجع أجمل الصور والذكريات. كم هو جذاب هذا الحلم الذي ينقل الشاعرة إلى أرضها التي سطرت أبجديات المجد.

الشهادة والشهداء

في القسم الأخير من الديوان «رحيق» (الشهادة والشهداء)، تحية إلى شهداء الحرب التي عصفت بلبنان على مدى سنوات طويلة، هؤلاء الذين أقدموا إلى النار لأنهم تاقوا إلى النور، «ليظلوا ذخراً يحمينا من السقوط، فذكراهم تهزم الخيبات التي تغزو دروب الحقيقة، والموت الذي يلغي كل المعاني يصبح المعنى الأسطع في الشهادة»...