يحدث أن يصطدم القلب بجدار الأخلاق، حينئذ يصبح الارتطام دامياً وموجعاً وشديد الألم، إنه أشبه ما يكون بارتطام آنية من زجاج مرهف بصخرة صلدة صماء والنتيجة الحتمية لذلك هشيم مبعثر للقلب يستحيل جمع أشتاته أو إعادة التئامه، ويصبح الحب وليمة للغربان وحفلة لزار نعيقها، فتلبس الشمس ثوب حدادها ويلتف القمر بعباءة من السواد ويصيب أعين النجوم العمى، إذ ليس هناك أكثر حزنا من مشهد حب يلفظ أنفاسه وقلوب محطمة بغير حول منها ولا قوة. قد لا نملك أحيانا قرار الاختيار بين أن ننحاز لنصرة قلوبنا أو أن ننحاز لمصلحة التزامنا الأخلاقي، إذ يحدث الاصطدام بينهما فجأة وبدون صافرة إنذار تمنحنا الوقت الكافي للتفكير بخياراتنا، وفي هذا ربما بعض العذر من قلوبنا وبعض العزاء لنا فيما آل إليه مصير الحب، قد نحمّل مشيئة الحظ وزر جروحنا وقد نمسح بمنديل الرضا مشيئة القدر، وقد نحظى ببعض كلمات نتناولها دواء مسكناً لبعض الألم، أو بتذكير لنا بقلة حيلتنا يشفي أسانا من بعض الندم، عندما يحدث هذا الاصطدام بين عاطفة قلوبنا وما تمليه عليه مبادئ أخلاقنا بدون خيار منا يكون هناك فسحة من العزاء لنا ومساحة من المواساة لأنفسنا وثقب يتسرب منه ماء طاهر نغتسل منه لنتبرأ من خطيئة قلوبنا ومن ذنب نزيفها، ولكن عندما نوضع وجهاً لوجه أمام خياراتنا لنتخذ القرار ونحدد مصير عاطفتنا بأنفسنا إما أن نخون قلوبنا أو أن نخون أخلاقنا، يترك القدر لنا حق الاختيار فنصبح نحن القضاة والجلادين والضحايا في ذات الوقت، وكأنما ذلك نوع من العقاب المضاعف وليس دليلا على المبالغة من القدر في تدليلنا، إن منح حق الاختيار بين عذابين أكثر إيلاماً من سلب ذلك الحق، وعقوبة أشد تتجاوز أحياناً حجم الذنب، حيث لا مجال للوم أحد على ما قد نعانيه سوانا، ولا مشجب نرمي عليه ثوب وجعنا سوى مشجب اختياراتنا، ولا شماعة نعلق عليها جسد أحزاننا سوى شماعة قراراتنا التي لن ننجو بأي حال من الأحوال من فخ سعيرها عندما نوضع بين نارين ليس لنا بدّ من الاختيار في الوقوع في إحداهما لنفاضل بين رماد أخلاقنا أو رماد قلوبنا، ولكن ما هو المعيار أصلا الذي نستطيع أن نضعه أساساً للمفاضلة بين أن نخون قلوبنا أو أن نخون أخلاقنا؟! هل هو الألم؟! إن الألم في الخيارين يكاد يتساوى في كفّتي ميزان الوجع، هل المعيار هو مدى ما يصيب انسانيتنا من تلف؟! إن الضرر الناتج لإنسانيتنا بسبب خيانتنا لقلوبنا لا يقل بأي حال من الأحوال عما قد يصيبها بسبب خيانتنا عن عمد لمبادئنا الأخلاقية، هل راحة الضمير تصلح معيارا للمفاضلة بين الخيارين؟! قطعا كلا، فلن يشعر ذو ضمير حي بأي راحة باختيار خيانة أي من الخيارين ولن يحظى بإغفاءة جفن ما شاء العذاب، ولن يُمحى عن جبينه ختم الخيانة وتهمة الغدر ووصمة العار، إنه أشبه بقاتل نفسه وخاسر الدارين، إذ لم يربح الحياة الدنيا ولن ينجو كذلك من نار الآخرة!
توابل - ثقافات
ارتطام!
28-02-2019