60 سنة... حرام يا جماعة!
دخلت متجره في قلب العاصمة - شارع فهد السالم، في ليلة باردة من ليالي فبراير، شهر الأفراح والأعياد في الكويت، كان مبتسماً، ويظهر عليه مظهر الوقار، وترتسم على ملامح وجهه مظاهر السنين الطويلة التي مرَّت عليه، والتي ربما جاوزت خمسة وثمانين عاماً، كما أن ديكورات متجره تعكس ثقل السنين عليها.أشار لأحد عماله بأن ينجز حاجتي بالورشة الصغيرة الملحقة بمتجره، وجلست أنتظر على مقعد صغير بجانبه، لا أعرف كيف بدأ الحوار بيننا، لكن في جزء منه تطرَّق للشكوى من حال الركود والإهمال لشارع فهد السالم، وتزاحم الباصات فيه، وإهمال بعض بناياته، ورغم ذلك فإن أسعار إيجارات المحلات فيه ترتفع بشكل كبير، مما يهدد أصحاب التجارة والمهن، والذين غادر معظمهم المكان.
ذلك الحوار أعاد ذكرياته، فذكر لي أنه دخل هذا البلد الجميل والمعطاء، كما يسميه، في يناير 1959، وبدأ مشوار كفاحه، الذي جعله فيما بعد رجل أعمال، وربَّى أبناءً وبنات على مستوى عالٍ من العلم والكفاءة، لكن الشيء الغريب أن هذا الرجل بعد ستين عاماً قضاها في الكويت لا يستطيع أن يكفل نفسه، ولابد أن يكون موظفاً في شركة ليحصل على الإقامة!وأنا أستمع إلى وصفه للكويت القديمة في الستينيات والسبعينيات من القرن الماضي أحسست بعبق أهلنا وكبارنا الذين رحلوا عنا، فكيف يعامل مثله بهذا الشكل؟! بل المطلوب أن يكرم، لأن إخواننا العرب الذين شاركوا في خلق المهن والحرف العصرية بالكويت هم جزء أساس من النهضة الكويتية الحديثة.لذلك أتمنى أن تتم مراجعة قانون الإقامة، الذي حذفت منه مادة كانت تسمح لبعض رجال الأعمال والمقيمين لمدة طويلة في البلد بكفالة أنفسهم بضمان مصالحهم ومتاجرهم، وأن نكون، كعهدنا ككويتيين، أوفياء ومحبين لجميع مَن عاش وعمل معنا، ففي الغرب تكرم البلديات المحلية أو الغرف التجارية والصناعية مَن يعيش ضمن محيطها من كبار السن الذين قاموا بخدمة المجتمع مهما كانت جنسيتهم، وبالطبع هذا الأمر يتم غالباً هناك، لأن الشخص يدفع الضريبة، فيساهم في تطوير مجتمعه وبلده ككل، أما في الكويت، فلا توجد عندنا ضرائب، لكننا من الناحية الإنسانية التي جُبلنا عليها علينا أن نكرم من عاش معنا هذه السنين الطويلة وأصبح جزءاً من مجتمعنا.