قطعت تيريزا ماي أكثر من 3000 ميل في رحلتها إلى الصحراء المصرية أملاً في التوصل إلى اتفاق الفرصة الأخيرة مع الاتحاد الأوروبي. ولكن بدا أخيراً أن ماي واستراتيجيتها التفاوضية غدت خالية من الخيارات على شواطىء البحر الأحمر في شرم الشيخ.ومع قتامة مزاج الدائرة الداخلية لدى رئيسة الوزراء البريطانية، أبلغها قادة أوروبيون الواحد بعد الآخر بما كان الوزراء المخضرمون في حكومتها يرددونه منذ أيام: يجب تأجيل الموعد النهائي للبريكست. لكن تأخير خروج المملكة المتحدة من الاتحاد الأوروبي قد يمثل محرقة للسياسة البريطانية، فهو ينطوي على خطر إثارة غضب السياسيين المشككين بقدرة حزب المحافظين الذي تنتمي إليه ماي في إدارة مسألة الخروج من أوروبا، وقد هدد البعض منهم بإسقاط حكومتها إذا لم تغادر بريطانيا الاتحاد الأوروبي في الموعد المحدد لذلك أي 29 مارس.
وقال أحد المطلعين على كواليس السياسة البريطانية، وقد طلب عدم الكشف عن اسمه: "ليست لدي فكرة عن المكان، الذي سوف نصل إليه في نهاية هذا الأسبوع" مضيفاً: "لم يعد لدى ماي مكان يمكنها أن تتوجه إليه".وهدد البعض من أرفع الوزراء في حكومة ماي بالانسحاب من الوزارة للحيلولة دون تحقيق اتفاق "بريكست" الذي تقول ماي إنه سوف يمثل حصيلة خلل إذا رفض البرلمان دعم خطتها. وسوف تمهد المواجهة في مجلس العموم السبيل أمام قانون جديد يخرج السيطرة على "البريكست" من يد تيريزا ماي.وعندئذ سوف يتأجل موعد مغادرة بريطانيا وتستمر في الاتحاد الأوروبي. وتكون ماي قد فشلت في تحقيق الهدف الذي ارتبط به مصير رئاستها للحكومة، ومن المحتمل جداً أن ينفجر غضباً الجناح المشكك في أوروبا داخل حزبها المحافظ.
تفادي الكارثة
وفيما سوف يكون فشلاً شخصياً لماي فإن التمديد لن يكون بالضرورة سيئاً تماماً. وربما يتماسك الجنيه الإسترليني وتتنفس الشركات الصعداء لأن احتمال عدم الاتفاق قد سحب من على الطاولة. كما أن خطر التأجيل يمكن أن يساعد على إقناع متشددي "البريكست" في دعم اتفاق ماي في الساعة الأخيرة بدلاً من البقاء في التكتل إلى ما لا نهاية.ولكن يوجد خطر في أن يطلق التأجيل شرارة مزيد من الشكوك السياسية والغليان – وربما حتى إجراء انتخابات عامة جديدة. وقد تبددت سلطة ماي التي أصابها الوهن منذ زمن بعيد.وأعرب أمبر راد وزير شؤون التقاعد ووزير العدل ديفيد غوك ووزير الأعمال غريغ كلارك عن وقوفهم علانية ضد ماي على الرغم من احتمالات تعرضهم إلى الانتحار السياسي نتيجة لذلك. وهم يريدون انجراف ماي المؤكد نحو حافة الجرف الاقتصادي عبر عدم التوصل إلى اتفاق بشأن "بريكست" ويرون أن هذا الأسبوع يمثل فرصتهم الحقيقية الأخيرة للقيام بذلك. وثمة سؤال عما إذا كان هؤلاء الوزراء الثلاثة – و20 غيرهم – سوف يتركون الحكومة بل وعضوية حزب المحافظين أيضاً.وشهد الأسبوع الماضي انشقاق ثلاثة من مؤيدي الاتحاد الأوروبي المحافظين للانضمام إلى مجموعة إندبندنت الجديدة في البرلمان بعد أن صدعت هزة "البريكست" البنية التقليدية للحزب، التي دعمت السياسات البريطانية طوال عقود من الزمن. وكتب الوزراء الثلاثة مقالة مشتركة في إحدى الصحف هددوا فيها بشكل فعلي بالانسحاب لمنع الخروج من دون اتفاق. ويكمن في صلب الأزمة الغموض الذي حدد "البريكست": ما من أحد يعلم ما سوف تقوم ماي به.ولأسباب تكتيكية لا تستطيع رئيسة الوزراء أن تعد راد والآخرين وسط المفاوضات بأنها لن تفرض بريكست من دون اتفاق في 29 مارس كما لا تستطيع التراجع عن التعهد لمشككي أوروبا بأنها لن توافق على تأجيل الانسحاب.ويتعين على ماي الحفاظ على وجه لاعب البوكر فيما تطلب من زملائها المشككين الوثوق بها. وتكمن المشكلة في أن أحداً لا يشعر أن في وسعه القيام بذلك، ومع نفاد الوقت للحل يشعر قادة الاتحاد الأوروبي بإرتباك مثل أي شخص آخر.وعقدت رئيسة الوزراء البريطانية في شرم الشيخ اجتماعات مع نظرائها الأوروبيين في محاولة أخرى للحصول على تنازلات حول الجزء الأكثر صعوبة في اتفاقية الانسحاب والمتعلق بمشكلة أيرلندا. وسألت مستشارة ألمانيا آنجيلا ميركل رئيسة الوزراء البريطانية ما إذا كانت تفكر في تمديد الموعد النهائي في 29 مارس، شهرين، ويقال إن ماي ردت – كعادتها دائماً – بأنها لا تريد تأجيل الانسحاب وأنها تواقة إلى تحقيق الاتفاق لمغادرة الاتحاد الأوروبي في موعده.وفي كل مكان تقصده يلاحق تيريزا ماي السؤال نفسه: ماذا يحدث إذا لم تتمكن من الحصول على اتفاق ينال مصادقة البرلمان؟ هل تدفع بريطانيا من على الحافة وتطلق فوضى اقتصادية وسياسية؟ أو أنها سوف تدعم مبادرة تأجيل تاريخ الانسحاب؟ * تيم روس - بلومبرغ