نقطة : حرية البالونات مكفولة
حين تصلك صيحات الاستنكار وجلد الذات الموسمية لما يجري بالمسيرات واحتفاليات رش الماء والصابون، تعتقد أن شوارع الكويت كانت تنافس الساعات السويسرية في الانضباط والدقة لولا هذه المناسبة التي خربتها، وكأن شوارع الكويت الحبيبة لم تكن ترفل طوال العام بأثواب الفوضى والتلوث والدخان والسباقات بين الباصات وسيارات الأجرة وحوادثها المأساوية الأخطر مليون مرة من بالونة هنا ورغوة هناك، لذلك لن أدعي الرزانة لأطالب بمنعها والقضاء عليها، فهي قد تكون الفرصة السنوية الوحيدة للتنفيس والتعبير عن المشاعر والعُقد الدفينة، إلا أن ذلك لا يعارض الدعوة لتنظيمها وتخصيص أماكن محددة لممارستها، فمثلما تم تخصيص حلبات ومضامير لهواة سباقات السيارات وتنظيم هوايتهم بعد سنوات من ممارستها المزعجة بالشوارع العامة، يمكن فعل ذات الشيء مع احتفالات الأعياد الوطنية وتنظيمها بشكل حضاري ومحترم، بل ويمكن تحقيق مكاسب عديدة من ورائها كما هو حاصل حول العالم في مناسبات متنوعة شبيهة، كعيد الماء في تايلند وكرنفال جنيف وعيد البيرة في ميونيخ وغيرها من الاحتفاليات العامة التي يتقاطر إليها الكثير من أبناء بلدي ممن يأنفون من أختها بأرضهم، فالاعتراض في حقيقته ينصب على شطط بعض المحتفلين وتربيتهم لا على شكل الاحتفال بحد ذاته.من جانب آخر أظن أن على المستائين من الاحتفاليات المائية أن يحمدوا ربهم أصلاً لوجود مثل هذه الأنشطة يومين في السنة فقط، واكتفاء الناس بهذا القدر منها بعد مرور أكثر من ربع قرن على ظهورها بشوارعنا، ولم يدخلوها حتى الآن ضمن جدول عاداتنا وتقاليدنا المكتوب بالحبر السري، ليبرروا بعدها ممارستها طوال العام، ربما كنوع من أنواع التحية والسلام بعد انقراض عادة التحية بـ"الهرن" وذلك على سبيل التجديد بروح الأصالة، أو كشكل من أشكال حرية الرأي والتعبير مثلاً، فتخيل معي أنك بدلاً من أن تكتب مقالاً عن "حرامي" معتق فيُمنع حفاظاً على حسن الجوار والعلاقات الاجتماعية، أو أن تكتب تغريدة عن سياسي نصاب متدثر بالدين أو الشعارات فتتجرجر بالمحاكم لسنوات غير معلومات، أو تضطر للسكوت وتصنّع الاحترام لغير المحترمين في الدواوين والمجالس العامة لأنك ستكون أنت الغلطان لو تكلمت رغم أنه هو الذي فعل كل شيء، تتغير لغة التخاطب من الأحرف والكلمات إلى المياه والبالونات، فتصفع الحرامي أو النصاب العزيز بإحداها فور فتحه لفمه وحديثه عن الشرف والنزاهة وحب الوطن وبقية الجمل والكلمات التي تنطق ولا تُرى، وأكاد أجزم أنه لا أحد منهم سيجرؤ حينها على الشكوى والاستنكار من عاداتنا وتقاليدنا الموروثة، وكذلك من الخجل وحفاظاً على هيبته وصورته المحترمة التي يريد الحفاظ عليها، فرجل طول بعرض بالع الأخضر واليابس رايح المخفر يشتكي "طقوني بتفاخيه"...
لا عيب بصراحة!