عقب الاغتيالات السياسية عام 1948 خصوصا اغتيال المستشار "أحمد الخازندار" أصدر المؤسس الرسمي المتطرف– المستحوذ على فكرة الجماعة من أستاذه أحمد أفندي السكري- لجماعة الإخوان المسلمين "حسن البنا" بياناً بعنوان "ليسوا إخواناً وليسوا مسلمين"، وزينت صحف الجماعة بعد ذلك بالعنوان نفسه، تبرأ فيه بصورة واضحة من القائمين بتلك الحوادث وأنكر عليهم الانتماء إلى الجماعة.

بعد مرور قرابة سبعين عاماً، يتكرر المشهد في الداخل الإخواني بالمضمون نفسه ولكن بصياغات وأشكال مختلفة، تتناسب مع السمة التي يتميز بها العقل السياسي للجماعة وغيرها من الجماعات المتطرفة "استحضار الماضي"، وهي ما ظهرت في شواهد عدة كقول الرئيس الإخواني المعزول "محمد مرسي" من قبل "الستينيات وما أدراك ما الستينيات".

Ad

فعقب إعدام الشباب المتورطين وفقاً للحكم القضائي في قضية مقتل النائب العام المصري انهالت علينا الصفحات الإخوانية والجبهات التابعة لها ببيانات تدعو للعنف وأخرى تنفيها، بل تطور الأمر لدرجة أن ظهور تنظيم جديد يدعى "فجر الكنانة"، يدعو للعنف.

يوم 22 فبراير صدر بيان بعنوان "عزاءٌ مؤجلٌ وقصاصٌ مستحق" يدعو البيان بصورة واضحة للعنف والقيام بعمليات إرهابية في الداخل المصري بإمضاء من المكتب العام للإخوان المسلمين، بعد ذلك بيومين صدر بيان ينفي تبعية هذا البيان للإخوان المسلمين واستنكار دعوة الإخوان لما يسمى "الجهاد" بإمضاء من المتحدث الإعلامي باسم جماعة "الإخوان المسلمين"، حيث جاء فيه "كما حشدت بعض وسائل الإعلام سلسلة من الأكاذيب حول اعتماد الجماعة ما أسمته "خيار الجهاد".

بالوقوف على مصدر إطلاق البيان لوحظ أن البيان الأول الداعي للعنف صادر بالأساس عن جبهة الشباب الإخواني التي ظهرت بشكل واضح منذ 2015 وبدأت العمل على الموقع الإلكتروني المؤسس 2015 "ikhwanonline-dot-info"، أما البيان الثاني فظهر عن القيادة جبهة محمود عزت التي تعمل على الموقع الإلكتروني الأساسي للجماعة المؤسس 2003 "ikhwanonline-dot-com".

بين البيان ونفيه يوم 23 فبراير صدر بيان تأسيسي لمجموعة تسمي نفسها "فجر الكنانة"، يدعو ضمنياً إلى القيام بعمليات إرهابية مطالباً بتوحيد كل القوى لإسقاط النظام المصري، ويتضح من لغة البيان أنه صادر عن مجموعة من الشباب نشؤوا وترعرعوا داخل تنظيم الإخوان المسلمين الإرهابي، وهذا ما يتضح من استخدام ألفاظ عادة ما يستخدمها الإخوان في بياناتهم وإصداراتهم.

لم تتوقف موجة البيانات على الأطراف المصرية، بل أصدرت حركة النهضة التونسية يوم 21 فبراير بياناً بإمضاء راشد الغنوشي تستنكر فيه الإعدامات بتدخل واضح في الشأن المصري، هذا التدخل له تفسيره، ولكنه ليس موضع حديثنا الآن.

الشاهد أن بعد ذلك البيان ببومين أيضا يوم 23 فبراير أصدر شباب حركة النهضة بالخارج بياناً أكبر من حيث عدد الكلمات وأكثر من ناحية الحدة من بيان الغنوشي، البيان الأول مثل القيادة في النهضة وعليه جاء البيان بلغة سياسية أكثر من البيان الثاني الذي مثل الشباب وجاء بلغة أكثر عنفاً وحدة وتطرفا، والشاهد أن بداية الانقسام الواضح في هذا سواء بالتنظيم الأم أو بالنهضة أخذ ظهوره يتبلور بصورة أكثر وضوحاً في عام 2015.

ما تطرحه تلك البيانات هو مثال واضح لحالة الخلاف الحادث داخل الجماعة منذ عام 2013 وتحديدا بعد فض الاعتصامات الإخوانية "رابعة، والنهضة" في مصر، وهذا الخلاف الذي بدأ يظهر للرأي العام بصورة واضحة منذ ذلك التوقيت في ظل رفع الشعار الوهمي من القيادات الإخوانية "سلميتنا أقوى من الرصاص".

السؤال الذي يفرض نفسه هنا: هل هؤلاء الشباب ليسوا إخوانا بل ليسوا مسلمين كما ادعى البنا؟

الاختلاف بين خطاب الشباب والقيادة لا يعني الفصل بين الطرفين، بل يؤكد ميوعة خطاب التنظيم الإرهابي، فهؤلاء الشباب هم إخوانيو الهوى والهوية، هم نتاج لحصيلة من المناهج المتغنية بمفهوم الجهاد والتشدد والتطرف فكرياً، إلا أن القيادة مع مصالح خاصة في فترات وعقود معينة من تاريخها كانت تحاول الظهور في صورة فصيل سياسي نابذ للعنف ورافض له.

جدلية تمثيل هؤلاء الشباب للإخوان المسلمين من عدمه تأتي- في وجهة نظرنا- من الفصل ما بين الفكر والفعل، ما بين التطرف والإرهاب، أي بين ما يُربى عليه الشباب داخل الإخوان وما ترجم من أفعال من جراء تلك التربية. فبالفصل بين الفكر والفعل تأتي المبررات الإخوانية بأن هؤلاء ليسوا ممثلين لهم، ولكن لا يمكن تشريح عقل إرهابي دون الوقوف على فكره وكيف تربى ونشأ، حيث إن الفكر "التطرف" يمثل البنية التحتية للفعل "الإرهاب".

وهذا ما ظهر في شهادات شباب من الإخوان المسلمين اتجهوا نحو سورية ونشر عنه تقرير في موقع "إضاءات" الذي أقر أحدهم- وفقا للتقرير- أن المناهج التربوية كانت مناهج محفزة على الجهاد باعتباره فريضة غائبة دون تطبيق في الواقع العملي، وهذا ما يظهر أن جماعة الإخوان المسلمين جماعة إرهابية عنيفة، ولكن هذا العنف عنف يرتبط بعدم تحقيق المصالح السياسية للقيادة، التي تعمل على تحضير الشباب وتشكيل عقول متطرفة، ففي حال الفشل سياسياً يتجه الشباب تلقائيا لترجمة تلك الأفكار إلى أفعال، ومحاولة من القيادة الحفاظ على مصالحها تسرع للنفي والتبرؤ من هؤلاء الشباب المغيبة عقولهم.

* كاتب وباحث سياسي مصري متخصص في شؤون الإسلام السياسي