معارضون من الصف الأول يعودون إلى بغداد رغم بطء الإصلاحات
يبدو أن الحكومة العراقية الجديدة تنجح تدريجياً في تجاوز عقبات سياسية واجتماعية معقدة كانت تحول دون التطبيع مع معارضين بارزين يحظون بقبول واسع في البلاد، ودفعوا ثمن مناهضتهم لرئيس الوزراء الأسبق نوري المالكي الموصوف بأنه اتبع نهجاً متشدداً بين عامي 2006 و2014.وشهد الأسبوع الماضي عودة القاضي البارز رئيس هيئة النزاهة الأسبق، المعروف بانتقاداته اللاذعة للحكومة، رحيم العكيلي من منفاه في تركيا إلى بغداد، وحظي باستقبال نيابي وحكومي في المطار، بعد أن أعاد القضاء النظر في أحكام سابقة بالسجن صدرت ضده في عهد المالكي، وجرى تشديدها حتى في عهد خلفه حيدر العبادي.وكان فريق المالكي قد تعامل بقسوة مع خصومه ومنتقديه بمجرد انسحاب الجيش الأميركي من العراق عام 2012، وجرى توجيه اتهامات كثيرة إلى نواب ومسؤولين تنفيذيين ورجال دين وقضاة ومثقفين، معظمهم من داعمي الحياة الدستورية وشرعية النظام، لكنهم كانوا ينتقدون سياسات المالكي بشكل علني ومؤثر.
وحاول رئيس الحكومة السابق حيدر العبادي إلغاء جملة من الأحكام التي استهدفت معارضين، لكنه لم ينجح في الغالب لنفوذٍ بقي متنامياً لسلفه المالكي المحاط بميليشيات متشددة ورعاية إيرانية معلنة. ويبدو الأمر مختلفاً هذه المرة مع وصول السياسي المعتدل برهم صالح إلى رئاسة الجمهورية ووجود رجل الدولة المخضرم عادل عبدالمهدي في رئاسة الحكومة، وهما الموصوفان بأنهما من أبرز مهندسي موجة المراجعة والإصلاحات التي تتصدر السياسة العراقية خلال الأعوام الأخيرة. وبعد عودة القاضي العكيلي إلى بغداد، ذكرت مصادر رفيعة، أن قائمة العائدين ستتسع لشخصيات أخرى، مثل وزير المال السابق رافع العيساوي، ومحافظ الموصل السابق أثيل النجيفي، وهما من الجناح السني الموصوف بالاعتدال، لكنهما عارضا نهج المالكي بقوة، أسوة بشخصيات شيعية وكردية ضمن تيار واسع نجح في إطاحة المالكي عام 2014.وقالت المصادر، إن المعلومات التي انتشرت بشأن العيساوي والنجيفي صحيحة، موضحة أن هناك جهوداً «لحل الموضوع قضائياً لا سياسياً».وذكرت أن الرجلين طلبا استئناف الأحكام سابقاً، لكن «تم حجب الأدلة وتشويه الحقائق، وصدرت أحكام غيابية قابلة للمراجعة القانونية».وأضافت أن «جهات رفيعة في رئاستي الجمهورية والوزراء تعمل، منذ فترة، على الموضوع، والأمر اقترب من الإنجاز ما لم تحصل مفاجآت».ويقوم الجناح المعتدل المتمثل بكتلة الإصلاح بدعم الحكومة الجديدة للقيام بإصلاحات قضائية وإدارية واسعة، رغم أن قادة هذا التيار، وبينهم مقتدى الصدر وأياد علاوي وعمار الحكيم، لا يبدون سعداء، بشكل كافٍ، بأداء الحكومة، خاصة أن رئيس الوزراء يؤمن بالإصلاحات المتدرجة، ويناور بحذر مع الجناح العراقي المتشدد المدعوم من طهران.وحسب الأوساط السياسية في بغداد، فإن بعض الساسة السُّنة يحاولون مع جناح المالكي، عرقلة الجهود الرامية لعودة العيساوي والنجيفي، بسبب منافسة واضحة بين الطرفين داخل البيت السني، ولذلك نظموا حملة توحي بوجود صفقة سياسية تتضمن كذلك عودة نائب رئيس الجمهورية السابق طارق الهاشمي المحكوم بالإعدام، وشيخ قبيلة الدليم في الأنبار المعروف بمواقفه المرتبكة، إلا أن المصادر السياسية تؤكد أن هذا خلط متعمد للأوراق، لأن السيرة السياسية والاتهامات الموجهة إلى العيساوي والنجيفي تختلف كثيراً عن حالة الهاشمي وشيخ «الدليم».