شهدت جلسة مجلس الأمة، التي خصصت جانباً من وقتها للقضية الإسكانية، أمس، انحرافاً في مناقشة المشكلة، وابتعاداً عن وضع أو اقتراح الحلول، مما يؤخر إيجاد الحل لأكثر قضية خدمية من حيث الأهمية في المجتمع الكويتي.فرغم أن التحديات في هذه القضية تبدو واضحة وأبعد بكثير عن أعمال المقاولات، أو مواقع المدن الجديدة، حدودية كانت أو بعيدة عن مناطق التمركز السكاني الحالية، أو حتى التزوير المفترض في صرف «بدل الايجار»، فإن نقاشات النواب أمس ومعهم الحكومة لم تتعد تحديات شكلية لا علاقة لها بأصل الأزمة، التي تتنامى مجتمعياً بشكل لافت، مقارنة بعدد الكويتيين، إذ إنه مع توزيع نحو 50 ألف طلب إسكاني خلال 6 سنوات بنظام «قسائم على المخطط» دون الحصول على السكن فعلياً، فإن عدد الطلبات الإسكانية التي أعلنتها مؤسسة الرعاية السكنية أمس بلغ 93708 طلبات، أي أن التراجع خلال 6 سنوات بعد استبعاد المخصص لهم ورقياً بلغ 15.4 في المئة فقط، مع الأخذ بعين الاعتبار بنظرة مستقبلية أن أكبر الشرائح العمرية في الكويت لمن لم يتجاوزا الـ 20 عاماً.
صعوبات التمويل
ومن التحديات التي غفل عنها النواب والحكومة في مناقشتهم للأزمة الاسكانية، مثلاً وجود صعوبات تمويلية لدى بنك الائتمان يتطلب معها رفع رأسماله 4 أضعاف من 3 مليارات دينار إلى 12 ملياراً، كي يتمكن من تلبية طلبات المواطنين من قروض التسليف خصوصاً للمدن الجديدة، في وقت تتراجع قيمة أصول الاحتياطي العام للدولة من 60 مليار دينار قبل 6 سنوات إلى 24 ملياراً العام الحالي، مما يصعب فكرة الاعتماد على هذا الاحتياطي لتوفير رأس المال المطلوب.تحديات مالية وخدمية
كذلك لم يتطرق أحد، لا نائب ولا وزير، إلى معضلة كلفة تشغيل الطاقة الكهربائية، فإنتاج الكويت من الكهرباء يبلغ 15 ألف ميغاوات بكلفة تصل إلى 1.8 مليار دينار، بما يعادل استهلاك 12 في المئة من إنتاج النفط، وسنحتاج إلى 14 ألف ميغاوات إضافية لنصل إلى نحو 30 ألف ميغاوات لأكثر من 100 ألف وحدة سكنية، وهنا من المحتمل أن تصل فاتورة الكهرباء وحدها عام 2030 إلى 9 مليارات دينار، ما يوازي 20 في المئة من إنتاج النفط في تلك السنة، وهو مبلغ قياسي في ظل محدودية الأفكار الجديدة الخاصة باستغلال الطاقة المتجددة في المدن الإسكانية، إذ إنه من المستغرب عدم التوجه نحو هذه الطاقة في أي من المدن الجديدة رغم تحديات وكلفة الطاقة التقليدية الباهظة.مدن نموذجية
حل الأزمة الإسكانية المتضخمة يتطلب شجاعة ومبادرة أعمق بكثير من طرح المدن البعيدة نسبياً أو الحدودية، إلى إعادة صياغة لفلسفة الرعاية السكنية، وأهمها الاعتراف باستحالة الاستمرار في سياسات التوزيع الأفقي الحالية إلى ما لا نهاية، لأنه صعب من الناحية الجغرافية، وأصعب من نواحي توفير الخدمات وخصوصاً الكهرباء والماء بالمستوى الذي توفرت به في المدن والمناطق من الخمسينيات إلى التسعينيات من القرن الماضي، وهنا تقع المسؤولية على الدولة أكثر من المواطن في ابتكار مساكن أقل حجماً من الحالية، لكنها مصممة بنماذج وقياسات ذكية تختلف كلياً عما يعرف بـ «فرز القسائم»، الذي ضغط على البنية التحتية في العديد من المناطق التي يفترض أنها نموذجية تطرح بوقت أسرع وبمزايا تفضيلية مثلاً في استهلاك وشرائح الكهرباء والماء وغيرها من البدائل والمحفزات، ولذلك كلما طرحت بدائل أكثر كان الخيار مفتوحاً أمام تسريع وتيرة الطلبات المكدسة، بما يخدم خيارات طالبي السكن الخاص.ولا شك أن الشجاعة المفقودة تمتد إلى تشريع وسائل تمنع المتاجرة بالسكن الخاص، كأن يتم وضع ضريبة تصاعدية كلما ارتفع عدد صفقات البيع والشراء للشخص أو الشركة نفسها، وذلك أن الغرض هنا انتقل من الحاجة للسكن إلى الاستثمار والمضاربة في نطاق يتعلق بأمن المواطن الاجتماعي ومعيشته.تعثر «المطلاع»
حتى النقاش المحدود أمس في المجلس عن أزمة السكن لم يتطرق إلى أكبر مدينة يجري تنفيذها حالياً، وهي مدينة المطلاع التي ترتبط بـ 28 ألف أسرة كويتية، لا من حيث التعثر في الأعمال التي فاقت 35 في المئة للعقد الرئيسي الثاني المفترض تسليمه الشهر المقبل إلى «الرعاية السكنية»، ولا من حيث اكتشاف ذخائر عسكرية وأجسام غريبة بعد بدء تنفيذ أعمال الحفر، مما حدا بالمؤسسة لطرح مناقصة لمسح أراضي المشروع بعد مرور نحو 3 سنوات على العمل فيه، مع أن خطوة المسح منطقياً يجب أن تكون قبل بدء الأعمال لا في أثنائها.جاهزية السوق
ولم يتطرق النقاش البرلماني الحكومي كذلك إلى مسائل مهمة تتعلق بمدى جاهزية السوق الكويتي لتوفير العمالة الخاصة بتنفيذ المساكن بعد تسلمها من «السكنية»، أو التنسيق مع مصنعي وموردي مواد البناء لتوفير الكميات المطلوبة بالأسعار المناسبة دون تضخم أو احتكار أو غش أو خلافه، أو حتى التنسيق مع عدد من الجهات والوزارات كالتجارة والداخلية والأشغال والصحة وغيرها لتوفير الخدمات العامة، لتكون المدن الجديدة بعيدة عن المشاكل والأخطاء التي لا يزال سكان مدينة صباح الأحمد يعانونها حتى اليوم.من المؤسف أن يكون حل الأزمة الإسكانية بكل ما فيها من تحديات وتفصيلات بالقدر الذي شهدته مناقشات مجلس الأمة أمس من السطحية والابتعاد عن مواطن الخلل، وهو أمر لا يبشر بكثير من التفاؤل في حل أزمة تعانيها معظم الأسر الكويتية بشكل مباشر أو غير مباشر.