هذه ليست المرة الأولى التي أكتب فيها عن مساحات التوتر الثقافي في العالم. كانت منطقة كشمير، التي تعبِّر عن التوتر العميق بين الهند وباكستان، إحدى أهم تلك المساحات. الغريب في الثقافة الهندية والباكستانية، أنهما تقريبا ثقافة واحدة، باستثناء مسألة الدين، التي يبدو أنها صنعت شرخا ظل يتسع بين الجارتين التوأمين، حتى أصبحت علاقتهما نقطة ضعف ضمن نقاط أخرى في خارطة السلام العالمية. منذ تقسيم الهند ظهرت مشكلة إقليم كشمير، الذي تتنازع عليه الهند وباكستان، والصين أيضا. وببساطة تحوَّل الأمر إلى صراع سياسي حول مصادر المياه والثروات ومساحات النفوذ الاستراتيجي.منذ أيام تصاعدت المواجهات في إقليم كشمير وحوله، وتضمَّن التصعيد قصفا مدفعيا وغارات بالطيران سقط فيها قتلى من الجانبين، ما يعيد للأذهان فورا ذكريات الحروب بين البلدين في 1947، و1965، وكذلك اضطرابات 2010. وبعيدا عن أسباب كل دولة في تبرير ما تفعل يبقى السؤال المدهش: كيف انقسم جسد واحد إلى جسدين يكره كل منهما الآخر إلى حد اشتعال الحرب وتشريد الملايين وقتل الآلاف؟ وكيف تمكنت تصورات كل طرف عن نفسه وعن العالم وعن الطرف الآخر أن تختلف كل هذا الاختلاف، رغم أنهما كانا بلدا واحدا حتى منتصف أغسطس 1947؟
المسألة تجد جذرها في منطق السياسة الحديث، الذي قسَّم العالم إلى مساحات مصالح صلبة وشرهة تحميها خطوط على الخريطة أسميناها الحدود. يمتد الجذر فلسفيا إلى منطق امتلاك الحقيقة، الذي لم يعد مقتصرا على الجماعات الدينية المتطرفة، بل أصبح سمة رئيسة في سياسات الدول، بحيث أصبح الحوار الباهت الذي ترعاه منظمات دولية ضعيفة منحازة أشبه بحوار الطرشان. المرعب في مسألة كشمير أنها تتجاهل إرادة سكان الإقليم تحت وطأة المصالح التي تضرب بالقيم الإنسانية والحريات عرض الحائط، لتجعل من الإقليم مساحة التهاب قابلة للانفجار في أي لحظة، كما وسعت من مساحة الريبة بين الهند وباكستان، ما يجعل كل بلد منهما يشير إلى الآخر بأصابع الاتهام مع أي مشكلة تحدث فيه، كما حدث في تفجيرات مومباي 2013، حيث تم توجيه أصابع الاتهام إلى باكستان مباشرة. الأزمة العالمية تتجاوز كشمير، فهي ليست بؤرة التوتر الوحيدة التي تنذر باندلاع حرب قد تتسع لتصبح حربا عالمية أخيرة، فهناك روسيا وأوكرانيا، وكوريا الشمالية وجارتها الجنوبية، وأزمة فلسطين. كما يزداد الأمر خطورة إذا أخذنا في الحسبان الدعاوى الانفصالية لإقليم الباسك وكتالونيا في إسبانيا وأيرلندا واسكتلندا في بريطانيا.ما الذي يحدث؟ ألا توجد جهة رشيدة يمكنها أن تنبه كل هؤلاء إلى أن مصير تلك الكرة الصغيرة التي نعيش عليها مرتبط بنا جميعا، وأن أي تلاعب في ترسانات الأسلحة المرعبة المنتشرة حول العالم سيحعل تلك الكرة تنفجر إلى غير رجعة؟ هل تحللت القيم العالمية تحت وطأة الرأسمالية المتوحشة إلى درجة أننا نندفع جميعا نحو الهاوية بأعين مغمضة إلا من أوهام السيطرة والثروة والهيمنة؟إن ما يحدث في كشمير هذه الأيام يمكن أن يكون بداية حرب مخيفة، كما يمكنه أن يكون جرس إنذار للجميع حول ما يجب أن نتقيه، وما يجب أن نبدأه فورا من حوار عالمي حول السلام الدولي والعدالة في العلاقات الأممية والسعي الحقيقي للقضاء على مشكلات الفقر والجهل والمرض.
مقالات
تنوير : كشمير
07-03-2019