قد يبدو بنيامين نتنياهو ماكراً جداً، حتى إنك تخاله بطل تراجيديا، لكن التهم التي يوجهها إليه المدعي العام أفيخاي ماندلبليت لا تكشف عن أي تفاصيل مهمة سوى الغرور، ففي القضايا الثلاث المعنية، قدّم نتنياهو خدمات حكومية مربحة لعدد من نظرائه الأثرياء أساساً. في اثنتين منها شملت الفائدة التي جناها هو تغطية إعلامية محرفة لم يكن بحاجة إليها أصلاً، وفي الثالثة، حصل على خدمات مترفة يستطيع بالتأكيد تحمل كلفتها. وضمن الإطار ذاته، يبدو نتنياهو أيضاً مستعداً لاستغلال سلطته في منصبه الحالي كي يبقى في هذا المنصب، مقوّضاً أكثر الأعراف الديمقراطية، إذ ستُعقد الانتخابات العام في التاسع من أبريل، وقد ارتكزت حملة إعادة انتخابه عموماً على حشد داعميه ضد مواطني إسرائيل العرب، وها هو اليوم يتحوّل نحو التنديد بالمؤسسات الجنائية والقضائية التي وجّهت إليه التهم وتشويه صورها، ففي خطاب له الخميس الماضي أعلن أن ماندلبليت استسلم بكل بساطة "لضغوط قاسية" من "وسائل الإعلام واليسار".
حدد المدعي العام جلسة استماع قبل المحاكمة ضد نتنياهو، مما يعني أنه سيستمع إلى دفاع رئيس الوزراء ضد الأدلة التي جمعتها الشرطة والمحقق العام قبل أن يقرر ما إذا كان سيوجه التهم إليه ويقدّم القضية أمام المحكمة، ويبدو أن نتنياهو وحده مقتنع أن التهم ستُسقط عنه.يواجه نتنياهو أيضاً تهم غش وانتهاك ثقة منفصلة ترتبط بمفاوضاته السرية مع أرنون موزيس، ناشر الصحيفة اليسارية العلمانية "يديعوت أحرونوت"، وتشير هذه التهم إلى أن نتنياهو رغب في تغطية إعلامية مؤاتية من موزيس وأن هذا الأخير أراد الحد من نجاح "إسرائيل هيوم"، وهي صحيفة منافسة مجانية مولها عملاق الكازينوهات الأميركي شيلدون أديلسون عام 2007 بهدف الترويج لحملة نتنياهو الانتخابية، إذ يُزعم أن نتنياهو اقترح على موزيس ألا يعارض مشروع قانون سيجعل توزيع بعض أنواع الصحف مجاناً غير قانوني.لا يعني كل هذا أن نتنياهو لم يتأذَّ، فتبدو هذه التهم في وثائق المدعي العام أكثر بشاعة بكثير مما كانت عليه في تسريبات المحللين الناشطين غير الأكيدة، فقد أظهر استطلاع للرأي أجرته قنوات تلفزيونية كبرى أن تحالف "أزرق أبيض" سيفوز بعدد مقاعد يفوق ما سيحصده الليكود بنحو ستة مقاعد في الكنيست في التاسع من أبريل، والأهم من ذلك أن كتلة الليكود تراجعت راهناً وما عادت تحقق الأكثرية، ويلمّح وزير المالية موشيه كحلون، زعيم كولانو، وهو أحد الأحزاب التي يعتمد عليها الليكود، إلى أنه يفكر في الانضمام إلى حكومة يقودها تحالف "أزرق أبيض".يتصرف نتنياهو كما لو أنه تأذى فعلاً، إذ شكّل خطابه دراسة في سلسلة من الرثاء المصوغ بدقة، استهله بالإشادة بأهميته الدبلوماسية الكبرى في رأيه التي تجعله شخصاً لا غنى عنه: اجتماعه الأخير مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الذي وافق رسمياً على أعمال إسرائيل العسكرية ضد إيران في سورية، والدعم الذي يحظى به من دونالد ترامب الذي قال عندما سمع بمعضلة نتنياهو: "نتنياهو صلب، وقوي، وذكي". علاوة على ذلك شدد نتنياهو على ضرورة عدم اعتبار علاقاته الشخصية مع قادة العالم "أمراً مسلماً به"، ورغم ذلك، ذكر أن المحققين العامين يستهدفونه عمداً، وأن الصحف "تجرّح بزوجتي وابني" (قبل أربع سنوات نقلت الصحف أخباراً عن أن ابن نتنياهو يائير صُوّر خارج نادي عراة في تل أبيب وهو يهاجم ابن أحد عمالقة الغاز الطبيعي بسبب فتاة هوى، وقال نتنياهو الابن مشيراً إلى تشريع عن عائدات الغاز الطبيعي: "رتّب أبي لحصول والدك على عشرين مليار دولار وتتذمر لأنك أعطيتني أربعمئة شيكل؟").لكن هذا التعنُّت قد لا يلقى صدى إيجابياً بين مؤيدي نتنياهو السابقين، فقد كشف استطلاع للرأي أجرته صحيفة "تايمز إسرائيل" أن أكثر من ربع مَن يخططون للتصويت لليكود لن يقوموا بذلك "إذا أُعلنت التهم"، لكن التعنُّت إحدى أبرز صفات نتنياهو، فداعموه معجبون بقوته وغضبه، وقد قدّم له ماندلبليت سبباً جديداً ليعرب عن صفاته هذه.* بيرنارد أفيشاي* «نيويوركر»
مقالات
هل يخسر نتنياهو الانتخابات لولاية جديدة؟
07-03-2019