• «مجدرة حمرا»، و«اسمي جوليا»، و«شو ها»، 3 مسرحيات تُعرض متزامنة من توقيعك، أين تلتقي وأين تتمايز؟

- إنها جزء من سياستي المسرحية منذ حوالي 10 سنوات، لكل مسرحية طبيعة مختلفة، لكنها تلتقي في أسلوبها الـ «one man show».

Ad

• تقدّم أنجو ريحان «مجدرة حمرا واسمي جوليا»، بم يتميّز أداؤها لتحمّلها مسؤولية عملين بهذا الثقل؟

- تتمتع بطاقة مسرحية هائلة، منذ عامين تدربنا على مدى 6 أشهر على مسرحية «اسمي جوليا»، التي حظيت بضجّة كبيرة، لأنها تضمنت جرأة كبيرة في معالجة موضوع مرض سرطان الثدي عند المرأة، وقد قدّمت أنجو أداءً ممتازًا. وتابعنا الصيغة نفسها في مسرحية «مجدرة حمرا»، حيث قدّمت 3 أدوار نسائية على الخشبة. ما زالت عروض هذه المسرحية مستمرّة، إضافة إلى إعادة عرض «اسمي جوليا»، و«شو ها»، لأثبت أن للمسرح جمهوره وقيمته، وهو يشكّل حالة فنية ناجحة في معالجة مواضيع جريئة عبر منبر ثقافي.

• يحتاج المسرح إلى إنتاج ودعم مادي بهدف الاستمرار، فكيف تضمن ذلك في ظلّ أزمة الإنتاج؟

- اتخذت قرارًا انتحاريًا منذ 5 سنوات بالتخلي عن الصحافة والعودة إلى المسرح كمهنة أعتاش منها وأُبدع عبرها، وها أنا أنتج سنويًا ما يعادل 3 أعمال مسرحية، مكرّسًا وقتي للتمارين والإنتاج المسرحي، مما كوّن لديّ أرضية جماهيرية ثابتة. إنما احتاج ضمان الاستمرارية إلى تسوية معيّنة على صعيد الشكل، فاقتصر فريق العمل على ممثل واحد، كما تواضعت في موضوع الضيافة في المسرح.

• هل ينسحب هذا الواقع على المسرحيين الآخرين؟

- بعض المسرحيين يدعم أعماله من خلال جمعيات خارجية ومؤسسات مانحة، وبعض آخر يتكّل على جماهيريته التلفزيونية. لكل مسرح طبيعة إنتاجية خاصة به، وأنا أحترم كل الأنواع المسرحية المتوافرة في لبنان.

• هل تستنبط أعمالك من نتاجك الفكري كروائي أو شاعر، أم هي نتاج كتابة خاصة بالمسرح؟

- لا أتكّل على الموهبة فحسب، بل أقوم بعمل يومي دؤوب على صعيد الأبحاث والمراقبة. لذا أنا نشيط على صعيد الكتابة، وأتمرّن راهنًا على عملين مسرحيين لعام 2020. إلى ذلك، تخصصت في المسرح وعملت في مطلع شبابي مسرحيا، لكنني تراجعت عن الخشبة وخنتها عندما تخليت عنها لمصلحة الصحافة. أنا بطبيعة الحال إنسان يحاول ويُخطئ ويتعلّم من المسرح، ويستفيد بين الحين والآخر من تجربته الروائية والشعرية لضخّ الخشبة المتناغمة مع الشعر أساسًا، فضلا عن أنني في حال جاسوسية دائمة على الناس وحكاياتهم ووجعهم لأحوّلها إلى عمل مسرحي، أُعيد تأليفه وإخراجه بمعيّة الممثلين.

• تجتمع ثلاثية الشاعر والروائي والصحافي في أثناء تأليف نصك المسرحي؟

- تؤلف هذه الثلاثية شخصيتي، وحتى طبيعتي الإنسانية تكون حاضرة أيضا. أنا كشخص فيلسوف يراقب، يكتب تقارير داخلية، يتلصص على الناس، يعيد إنتاج الحكاية التي يشكّل الممثل جزءًا أيضا منها، أحكي عن مجتمعي، وطوائفي، وبلدي، وأخباري، أنا في حال مسرح دائم 24 ساعة.

أهدف إلى التعرّف على المجتمع اللبناني من خلال طوائفه، لهذا السبب قدّمت مسرحيات عن السنّة والشيعة والمسيحيين، لأنني في حال تعارف دائم مع المجتمع، ومن خلال أعمالي يتعرّف الجمهور إلى الطوائف الأخرى. من هذا المنطلق أنا في بحث دائم عن وطن اسمه «لبنان».

• لم تمنح شخصياتك المسرحية هوية طائفية واضحة؟

- أحبّ أن تكون هوية الشخصية على المسرح واضحة، سواء من ناحية الطائفة أو الانتماء الاجتماعي. في الحقيقة لبنان متحوّل وليس ذا وجه طائفة محدّد، إذ يمكن أن يتحول من طائفة إلى أخرى في بضع ساعات، عندما نتنقّل من منطقة إلى أخرى. الطائفة جزء من الهوية اللبنانية، ومن خلال نظرة إلى تاريخنا نرى انقسامات ومجازر بين الحزب الواحد أو الطائفة الواحدة والدين الواحد. إذًا ليست الهوية الطائفية صافية دائمًا، إنما جزء من التعارف بين الناس، عبر العادات والتقاليد وطريقة التفكير والمأكل والمشرب التي أجسّدها كلها في المسرح، لنتعرّف على بعضنا البعض على الأقل.

• غالبًا ما يؤدي المؤلف المونودرامي نصّه على الخشبة، لكنك تعوّل على أداء ممثلين آخرين، كيف تتوصّل إلى اختيار الممثل الأنسب؟

- بداية، أقرّر سلفًا الرسالة التي أريد أن أوجهها عبر هذا الممثل، ومن ثمّ نتحد فكريًا وروحًيا، وتبدأ الاعترافات الشخصية في غرفة داخلية للتحرّر الذاتي والدخول إلى النص في عملية اتحاد، ليتألق الممثل على المسرح على مدى ساعتين، وكأنه فرد وجماعة في آن. فالممثل منجم أيضًا، وهو توليفة كاملة لديها ذكرياتها وأعماقها وأحاسيسها، فمن يتمرّد يُحسن، ومَن يلين يقع.

• تحكي تفاصيل يومياتنا التي نتناساها أحيانًا، ما أهميتها في إضفاء عنصر الواقع والحقيقية، وبالتالي دغدغة مشاعر الجمهور؟

- لا تكفي العناوين، لأن التفاصيل مهمّة جدًا، وفيها تكمن الشياطين. فكلما زادت الشياطين كان هناك مسرح فعلي. هناك الخير والشر، والأسود والأبيض. مثال ذلك نقول «أحبك يا لبنان»، ولكن بالبحث في تفاصيل المشكلات قد نصل إلى حد الشعور بالكراهية تجاهه. قد نصل أيضًا في معالجة موضوعات الحبّ والمرأة إلى الجريمة. ثمة تفاصيل تظهر اختلافاتنا، نحن شعوب نحمل عنوانًا مشتركًا هو «لبنان»، إنما لكلّ منّا تفاصيله الخاصة.

• تكتب بثورة عن الإرهاب، عن الوضع المعيشي، البيئي والاقتصادي، والديني، والطائفي، والحزبي، إلى أين تؤدي بك هذه الثورة؟

- لا أحب كلمة الثورة، بل أعتبر أنني أصرخ وحدي في البريّة حيث أتنفّس. أعتبر نفسي سائحًا في بلدي أكثر من شعور المواطنة، لذا أنسحب قليلا إلى الوراء، أتأمله وأتأمل المواطنين حولنا، لست فاعلا ولا منفعلا.

• تتميّز بفلسفة ساخرة، قد تبدأ بفكرة عميقة ثم نفاجأ بسخرية، هذا الأسلوب برأيك يجعل وضعك الإصبع على الجرح مقبولا لدى الآخر؟

- إنها فكرة البساطة التي تكمن فيها العبقرية. تشبه البساطة الشجرة والنهر والهواء والحجر، الطبيعة بسيطة إنما صعبة وعميقة. بمقدار ما يخفف الإنسان عن كاهله الأفكار الهائلة والأحكام المسبقة، يبلغ جوهرا إنسانيا عميقا. في خطّ الوجود لا مكان لمصطلحات أو أفكار يمكن ترجمتها، إذ لا يمكن التعبير عن الموت مثلا بشكل مبسّط جدًا، كما لا يمكن التعبير عن الحبّ من دون تفصيل معيّن. برأيي الضحك أو السخرية هما الوجه الحقيقي للدراما، والمسرح هو ابن السخرية والبهرجة المتمثلة بالرقص منذ نشوء المسرح اليوناني.

• على رغم حريتك وجرأتك في التعبير تستخدم الرمزية أيضًا، وكأنك تُخفي حريتك خلفها، ما السبب؟

- لا أتقصّد أن أكون وقحًا أو جريئًا. أحكي عن العري والدين والله وملائكته والمقدّسات في حين أنا مرتاح مع ذاتي. أتكلم عن هذه الأمور بنظرة الطفولة، وأسأل عن الله كما يسأل الطفل عن الوجود. أحيانًا يبدو أنني أتحدث ببذاءة، لكنني فعليًا أحكي الأمور بحقيقية. أؤيد البراءة الأولى، لذا عندما أكتب أستعيد الطفل الذي كنته، قبل أن تأتيني الأجوبة التي تأمرني بالرقابة. صراحة لا أخشى الرقابة الرسمية إنما رقابة الشارع التي هي أخطر من تلك. أتحدى الشارع، فليكن! ليس لديّ عقدة الجماهيرية والنجومية والرايتينغ وتحقيق أكبر نسبة مشاهدين.

• تعطي حيّزًا للحياة والموت في نصّك، هل يشكّل الموت هاجسًا لديك؟

- أكتب يوميًا عن إصابتي المحتملة بالسرطان ورحيلي، لذا أعيش الحياة بكل تفاصيلها. الموت هو أجمل أشكال حوافزي للعيش. الموت هو انتصار للعيش. ثمة مدفن في رأسي طوال الوقت، أحبه لأنه يجعلني أعيش اللحظة وأكتب بجرأة وحرية.

• لِمَ تعتبر صفحات المدونات الإلكترونية مقابر، نحن سكّانها؟

- لأننا بالنسبة إلى بعضنا البعض أشباحا ومجهولي الهوية. لذا أشبّه مدوّناتنا بالأضرحة، والشواهد والتوابيت. شخصيًا، أصبحت هذه المقبرة الإلكترونية مفتوحة أمام كل من هبّ ودبّ للتدخل بحياتنا الشخصية.

• أي موقع يحتلّه الشعر والرواية والصحافة المكتوبة في ظلّ سيطرة المدوّنات وتفلّت قوانين الكتابة وأصولها؟

- من يريد أن يكتب فليفعل من دون التدخّل في كتابات الآخرين وإبداء الرأي فيها. هؤلاء الأصدقاء المفترضون يريدون أن يقرّروا أسلوبنا الخاص في الكتابة وانتقاده وإبداء الرأيي برأينا والتعليق بسخافة وسفاهة على مدوّناتنا. أنا لم أطلب رأيهم أساسًا! فليهتمّ كل واحد بشؤونه الخاصة. لهذا السبب أنا واحد ممن يحاول الانسحاب من هذا العالم، الذي يقتل الجرأة والشجاعة والمواهب والإبداع بحد ذاته. أصبح هناك شعر فيسبوكي ورواية فيسبوكية ومسرحية فيسبوكية والجميع مسخرجي! أرى أن هذه المواقع انقطاع اجتماعي كامل لم يعد هناك أي مجال للتواصل بسببها.

• هل فقدت الفنون المكتوبة برأيك قيمتها لمصلحة المرئيات؟

- طبعًا، شخصيًا أريد العودة إلى الجذور الأولى، إلى الكتاب والطبيعة الحقيقية، إلى المناقشات الفكرية الحقيقية، إلى مقهى المثقفين والندوات الثقافية الحقيقية. أطلق صرخة في هذا الإطار، وسأسعى إلى تحويل منزلي إلى ناد أدبي لمناقشة كتب ومسرح وفكر أسبوعيا بعيدا من مواقع التواصل الاجتماعي. أعتبر أن دخولي العالم الافتراضي زلة قدم، نادم بسببها، لأنني خسرت بسبب معارك عدّة عبر صفحتي. لو لم أكن منتج أعمال مسرحية لما دخلت العالم الافتراضي الذي أستخدمه بهدف التسويق لمسرحي.

• ما هي مخططاتك المقبلة؟

- أعود إلى الكتابة الأصلية، إلى الرواية، إلى شعري ومسيرتي، سأعود إلى خلوتي للتعمّق فكريًا، إضافة إلى المسرح بعيدًا من كل هذا العالم الافتراضي المزيّف في انتظار مجيء السرطان الحقيقي.