نقطة : لو سمحت نادِ المدير
يشتهر المواطن الكويتي بسرعة طلبه لمقابلة مدير أي مطعم، لأقل سبب. بينما في الشأن العام، لا أحد يعلم من هو المدير أو يسأل عنه! ولأن التسييس في حقيقته لدينا ليس إلا هروباً للأمام عن فهم الإدارة، فنحن نتحدث هنا عن إدارة فقط لا عن حكم وسياسة، عن الغياب التام لجهة مركزية عليا ذات رؤية استراتيجية شاملة تشاهد الوضع العام وما يجري من أعلى، وتفهم تشابك العلاقات وتأثير القرارات المباشرة التي تتخذها -أو لا تتخذها- الأجهزة المختلفة، على أمور أخرى غير مباشرة، ويجب أن تؤخذ في الحسبان.فاتخاذ قرار في جهة معينة قد يؤثر على أداء جهات حكومية أو نواحٍ حياتية أخرى لم تؤخذ في الاعتبار عند اتخاذه، وكثرة مثل هذه القرارات الارتجالية أو الانفعالية أو التنفيعية أدت إلى تخريب أداء أغلب الجهات الحكومية، وأفسدت حياتنا، ولا أحد يتابع أو يهتم. لنبسط المسألة ونوضحها أكثر، إهمال البريد مثلاً قد يراه البعض مسألة غير مؤثرة، لكنه بالفعل كذلك وأكثر من المتوقع، فلو كان البريد الكويتي فعالاً، كما كان، لوصلت فواتير الكهرباء والماء إلى منازل الناس في مواعيدها، على الأقل، ولمَا تراكمت عليهم المبالغ، لترتفع بعدها المطالبات بإسقاطها أو تقسيطها، ومن ثم تنشغل بعملية التقسيط تلك إداراتُ الوزارة وتضطر إلى زيادة ساعات عملها ومكافآتها، وتزيد العبء بدورها على إدارة التوثيقات بوزارة العدل من جهة أخرى. مثال آخر واضح بشكل جلي، فعندما يتم منح تراخيص لشركات النقل العام والخاص بلا قواعد واشتراطات تشغيل واضحة وصارمة فلا يجب أن نندهش بعدها من الفوضى والازدحام بالشوارع، وذلك مما أدى تلقائياً لعدم كفاءة منظومة النقل العام وانعدام إمكانية الاعتماد الجدي عليها، فسعى على أثر ذلك أصحابُ الأعمال البسيطة، ممن وجدت المنظومة أصلاً لخدمتهم، للحصول على رخص قيادة، تُمنح بدورها بلا ضوابط، ليتمكنوا من أداء أعمالهم، فازدادت الشوارع فوضى وازدحاماً وسيارات متهالكة، وتدور دائرة الدجاجة والبيضة، ونحن عالقون بينهما بالشارع، ناهيكم عن جانب التلوث البيئي، الذي لا أظن أن أحداً قد اهتم به أو رآه، حين اتُّخذ القرار من البداية، والأمثلة لا تحصى.
على ذكر القرار، أكرر، نتكلم هنا عن إدارة لا عن سياسة، فربعنا بالسياسة وللأمانة شاطرين في مواجهة الصعاب وتشتيت الخصوم، هناك بنية عقلية وفكرية لدى موظفين ومسؤولين عابرين للحكومات والمجالس، اتخذوا أو ألغوا أو دفعوا بقرارات أدت بدورها لما وصلنا إليه من تردي الخدمات العامة وانخفاض جودة الحياة، وغالباً ما تكون اللجان هي الوسيلة المفضلة لاتخاذها ضماناً لضياع المسؤوليات لاحقاً، هذا إن سأل أحد، ولأنه لا يوجد مرجعية ترى المشهد بالكامل وتربط النتائج بالمقدمات وتنظر أبعد من يومها وتسعى لتسيير ما هو أكثر من العاجل من الأمور، فمازال العمل جارياً على قدم وساق، حتى أصبح الوضع حالياً أشبه بالمورستان؛ هناك من يظن أنه نابليون، وثانٍ يعتقد أنه ملك الغابة، وثالث متعلق بالسقف، لا علاقة لهم ببعض، وتصرفات واحدهم لا تعني الآخر في شيء، المستشفى ماشي وشغال، والبلد ماشي وشغال، لكن هذا لا يعني أن الوضع صحيح نهائياً، ويبدو أنه طالما برقان يصب ويغطي مصاريف الجميع فلا أحد يسأل: وين المدير؟!