غداة أقوى تظاهرات شعبية خرجت أمس الأول، في الجزائر، ضد ترشح الرئيس عبدالعزيز بوتفليقة لولاية خامسة في الانتخابات الرئاسية المقررة في 18 أبريل المقبل، انشغلت عدة دوائر وهيئات حكومية ومدنية، أمس، باتخاذ تدابير وتحديد موقفها من دعوات دخول البلاد في إضراب عام شامل غداً.

وبينما اتفق ممثلو التجار الجزائريين على عدم المشاركة في الإضراب، أعلنت وزارة التعليم تقديم إجازة الربيع لجميع المراحل الدراسية وتعطيل الجامعات، التي تشهد احتجاجات شبه يومية مناهضة لترشح بوتفليقة لعهدة خامسة، ابتداء من اليوم، بدلاً من يوم 21 الجاري.

Ad

وفي وقت سابق، أكد اتحاد نقابات المحامين مشاركته في الإضراب العام والامتناع عن العمل بجميع محاكم ومصالح البلاد رفضاً لترشح بوتفليقة، الموجود في جنيف لتلقي العلاج، لخوض الانتخابات الرئاسية المقررة في 18 أبريل المقبل.

رؤية واحدة

وفي وقت سابق، أعلن الجيش الجزائري، تماسك الشعب مع جيشه وتلاحمهما وترابط مصيرهما وتوحد رؤيتهما للمستقبل، مسجلاً فخره بـ"الأجيال الشابة من أبناء الجزائر"، مشيداً بـ"استعدادهم الكبير من أجل التضحية لمصلحة البلاد".

وجاء ذلك في افتتاحية العدد الأخير، من مجلة الجيش الشهرية، التي صدرت بالتزامن مع مسيرات الجمعة.

وسجلت افتتاحية "تعزيز الرابطة جيش ـ أمة"، أن "ما حققه الجيش الوطني على مختلف الصعد يترجم مدى ارتباطه ووقوفه غير المشروط إلى جانب أمته وشعبه في كل ما مرت به من محن وأزمات".

وكان الجيش تعهد بالحفاظ على الأمن وعدم جر البلاد إلى سنوات الجمر والحرب الأهلية واستعداده لتهيئة الجو المناسب لتمكين الشعب من المشاركة بالانتخابات الرئاسية المقبلة.

زيادة واعتقالات

ولم يفلح تحذير بوتفليقة الخميس الماضي من اختراق الحراك الشعبي وانزلاق البلاد إلى "فوضى وفتنة" في تقليل أعداد المشاركين في تظاهرات الجمعة الثالثة على التوالي ضد مساعي "العهدة الخامسة". وجاءت المشاركة في احتجاجات أمس الأول، أكبر من تظاهرات الأسبوعين الماضيين.

وغصّت شوارع وسط العاصمة بالحشود. حتى إنّ المتظاهرين كانوا يجدون صعوبة في التحرّك خصوصاً في ساحة البريد الكبرى.

وأشارت مصادر أمنيّة الى مسيرات حاشدة في تيزي وزو وتيارت ومعسكر شمال غرب البلاد وغرداية ومسيلة وسيدي بلعباس وتلمسان بوسط وشمال الجزائر.

كما شهدت مدن وهران وقسنطينية احتجاجات مناهضة تظهر أن المحتجين لا ينوون التراجع عن مطالبهم.

ونفت الشرطة، أمس، سقوط قتيل بصفوفها خلال الاحتجاجات التي جاءت بشكل عام سلمية ولم يتخللها اشتباكات سوى بمنطقة وسط العاصمة عندما حاولت مسيرة الوصول إلى القصر الرئاسي.

وأعلنت أنّها اعتقلت 195 شخصاً في العاصمة الجزائر إثر اشتباكات بين شبان وشرطيين خلّفت 112 جريحاً في صفوف قوى الأمن.

وصاية وتوقيف

في هذه الأثناء، وبعد تأكيد عدة مصادر طبية من المستشفى الجامعي في جينيف حيث يقبع الرئيس الجزائري، تدهور صحته، طالبت رئيسة الفرع السويسري لمنظمة "محامون بلا حدود" ساسكيا ديتيشايم، بوضع بوتفليقة البالغ 82 عاماً، تحت الوصاية القانونية وتعيين وصيّ عليه لأنه لم يعد قادراً على الإدراك والتمييز.

وأودعت ديتيشايم طلباً بهذا المعنى أمام محكمة جنيف، واعتبرت أن المحكمة تتمتع بالأهلية للإعلان عن إجراء يحمي بوتفليقة طالما أنه يوجد في جنيف للاستشفاء، واستندت المحامية السويسرية إلى القانون الفدرالي في بلدها، الذي يسمح بتقديم الطلب للمحكمة.

ويأتي ذلك وسط تقارير تفيد بأن الرئيس في وضع صحي حرج جداً، وأنه لم يغادر المستشفى على الإطلاق، كما تردد الخميس الماضي في بعض الأوساط الجزائرية.

الصحف تشيد بـ «تظاهرات تاريخية»

خصصت الصحف الجزائرية، أمس، صفحات كثيرة لتظاهرات الجمعة ضد الرئيس عبدالعزيز بوتفليقة، ووصفتها بـ "التاريخية"، معتبرة أنها تحدُّ بشكل كبير هامش المناورة لديه.

وكتبت صحيفة "الوطن" بعنوان عريض "شعب رائع"، وخصصت 12 صفحة للجمعة الثالثة على التوالي من الاحتجاجات، التي تميزت بحشود ضخمة في جميع أنحاء البلاد. وأضافت الصحيفة الصادرة بالفرنسية: "إذا كان أنصار النظام يعتمدون على تراجع الحراك، فقد تلقوا رداً واضحاً وبدون هفوات".

أما صحيفة "ليبرتيه" فعنونت على صفحتها الأولى "الربيع العربي"، وخصصت للحدث عشر صفحات، مشيرة إلى الجمعة بوصفه "يوم الاستقلال".

وذكرت أن بوتفليقة "يرفض أو يتظاهر بعدم سماع الناس الذين هبوا كرجل واحد طالبين منه أن يرحل". من جهتها، اعتبرت صحيفة "الخبر"، الصادرة بالعربية، على صفحتها الأولى أن "الملايين قالوا بصوت واحد مكانش الخامسة يا بوتفليقة"، مشيرة إلى أن السلطات لم تسمح للقنوات التلفزيونية الخاصة بتغطية الحدث.

ورأت صحيفة "وهران"، ثاني أكبر مدن البلاد، أن التظاهرات تؤدي إلى "تغيير في الطريقة التي تدار بها البلاد بشفافية أكبر"، في وقت ذكرت صحيفة "المجاهد" الحكومية التظاهرات في الصفحة التاسعة دون التطرق إلى المطالبة برحيل رئيس الدولة.

ونقلت التقارير عن مصادر طبية أن بوتفليقة يتغذى ويتنفس اصطناعياً، ولا يستطيع النطق إطلاقاً. كما أكدت أنه يصعب إجراء أي عملية جراحية له.

وتم أمس الأول، توقيف رجل الأعمال والمعارض رشيد نكاز في المستشفى حيث يرقد بوتفليقة بعد محاولته اقتحامه.

ومع دخول التظاهرات ضد العهدة الخامسة أسبوعها الثالث بدفعة مليونية اتجهت الأنظار إلى أعلى هرم السلطة في الجزائر، فأقطاب السلطة أصبحوا مدركين أن "الحراك الشعبي"، غير الحزبي، لن يتراجع وأن الاحتجاجات لن تتوقف.

وترددت أنباء، أمس، عن قرب عقد اجتماع للدائرة المغلقة للرئيس بوتفليقة في غضون 48 ساعة لتقييم الوضع، في أعقاب "الحراك" القوي الذي رفض الاقتراحات التي جاءت في رسالة بوتفليقة التي تلاها مدير حملته عبدالغني زعلان وتضمنت وعد بعقد ندوة وطنية للاتفاق على إصلاحات دستورية وانتخابات مبكرة في حال اعيد انتخاب الرئيس.

وفي وقت يبرز مطلب تأجيل الانتخابات وإعلان شغور منصب رئيس الجمهورية بسبب حالة بوتفليقة الصحية يتوقع أن تبحث دائرة الرئيس خياراتها في حال القبول باحتمال دخول البلاد في مرحلة انتقالية والآليات التي ستدير هذه الفترة لحين تنظيم انتخابات جديدة. وأياً كان الاتفاق الذي سيُتوصل إليه بين السلطة والمعارضة السياسية لا يعتقد أن الأخيرة تملك تأثيراً كبيراً على تحرك الشارع.

أقدم متحف يتعرض لتخريب

في خطوة تذكر بما شهدته مصر خلال أحداث يناير 2011، تعرّض "المتحف الوطني للآثار القديمة والفنون الإسلامية"، أقدم متاحف الجزائر، لـ"عمليات تخريب"، و"سرقة"، و"إضرام نيران في بعض المكاتب"، على هامش تظاهرة ضد ترشيح الرئيس عبدالعزيز بوتفليقة لولاية خامسة، بحسب ما أعلنت أمس وزارة الثقافة.

وفي بيان نددت الوزارة باستغلال "جناة" لمسيرات سلمية جرت في وسط العاصمة "ليقوموا بجريمتهم النكراء في حق الموروث الثقافي الوطني، والمساس بمتحف يغطي فترات مهمة من تاريخ الشعب الجزائري".

وأعلنت الوزارة تعرّض بعض أجنحة المتحف لـ"عمليات تخريب"، و"سرقة عدد من مقتنياته، بعد إضرام النيران في بعض المكاتب الإدارية وإتلاف وثائق وسجلات".

في السياق، شدد المرشح المحتمل للانتخابات الرئاسية علي غديري، على رفضه الانسحاب من السباق الرئاسي قبل إعلان المجلس الدستوري القائمة النهائية للمرشحين 14 الجاري.

وقال غديري عبر "فيسبوك"، إنني "مصر على خوض المعركة من أجل القطيعة ومن أجل إرساء قواعد الجمهورية الثانية وأذكر بأنني لا أبالي بترشح بوتفليقة لعهدة خامسة أم لا".

من جانب آخر، رفض حزب "حركة السلم"، أكبر حزب إسلامي، سحب نوابه من البرلمان، وقال إنه يدرس تجميد عضويتهم فقط. وعلل الحزب موقفه بالحاجة إلى نوابه في حال تم اللجوء لإجراء تعديلات دستورية عاجلة في حال تم إعلان خلو منصب رئيس الجمهورية لتنظيم فترة انتقالية.