● أنت كاتب أطفال وقاص وروائي وتشكيلي وتكتب الشعر أيضاً، وتؤمن بأن الفن وحدة واحدة، هل من فروق نوعية بين هذة المجالات في الاشتغال عليها؟

- بالطبع الفنون وحدة واحدة كقطعة الأرابيسك الفريدة، وعلى الرغم من وحدة الفنون فإنها تختلف في طريقة التعبير، فالرواية جنس فني يختلف عن اللوحة، عن القصيدة، عن المسرحية، عن الموسيقى، عن السينما، والاختلاف يأتي في طريقة الشكل والمحتوى والبناء... والفكرة التي تأتيك بوحي أو إلهام قد تخرج على شكل لوحة أو قصة أو قصيدة أو رواية أو موسيقى... وهكذا...

Ad

● بداية دخولك العالم الأدبي كتابة للأطفال ماذا عنها؟ وماذا عن بداية دخولك مجال الفن التشكيلي؟

- لا أعرف لي بداية محددة، ولا أعرف أي مجال من مجالات الفنون جذبني أولاً، فقد انبهرت بالفن والرسم وأنا طفل، وبدأ الشغب بيني وبين الألوان في مرحلة مبكرة، ووجدت في القراءة ملاذاً رائعاً يزرع داخلي البهجة، وكنت أستمتع بقراءة القصائد المقررة في كتاب المدرسة وعرفت عالم القصة في السادسة عشرة وبدأت في كتابتها، وذاكرتي زاخرة بالخيال والصور، وحين درست الفن في كلية الفنون الجميلة، انفتح لي كنز جديد وعرفت عشرات الفنانين، وزرت مئات المعارض، وشاهدت آلاف اللوحات والتماثيل والمنحوتات والخزف، وكنت أدور في اليوم الواحد على تسع قاعات كاملة، وكنت أحمل في جيبي نوتة صغيرة أكتب فيها الأشعار على المقاهي، وعلى شاطئ النيل وداخل أروقة المتاحف وأثناء الرسم في شارع المعز والغورية والحسين، وفي تلك الفترة بدأت احتراف الرسم، فقمت برسم العديد من كتب الأطفال لدور النشر، وقرأت مئات النصوص وأقمت أول معرض في حياتي بعد التخرج مباشرة وكان أول أعمالي المنشورة على الإطلاق كتاب للأطفال.

● بعد مرور وقت على أعمال المبدع هل تختلف نظرته اليها أم تظل ثابتة... كيف ترى الآن روايتك الأولى "جريدة على ظهر قارب"؟

- "جريدة على ظهر قارب"، أولى رواياتي، وقضيت في كتابتها حوالي خمس سنوات، أخوض فيها غمار المجهول وأغوص بين كتب التاريخ والتراث، وأعاني من التشتيت الذهني والإبحار في عالم بعيد ومكثف ممتلئ بالتفاصيل المتشابكة والمعقدة، ونظرتي إليها الآن نظرة إكبار وإجلال، إذ لا أتصور أني استطعت أن أنجزها وقد كنت أسبح بداخلها كغريق لا يجد شاطئاً أو مستقراً...

زهرة أرمينيا

* ماذا عن روايتك "ميمي... زهرة أرمينيا البيضاء" ... وهل يمكن للكاتب أن يكتب عن بيئة مغايرة أو بعيدة كأرمينيا دون العيش فيها؟

- الحكاية الإنسانية في العالم أيضاً تشبه الفنون في أنها وحدة واحدة، وعذابات البشر تتشابه وتتكرر من مكان إلى مكان، ومن ثقافة إلى ثقافة، لأن الأرض واحدة، والحياة واحدة والبشر واحد على اختلاف الأمصار، فالحزن والحلم والقهر والأمل كلها مفردات تعرفها البشرية وتتفق على تعريفها ووصفها، ورواية (ميمي ... زهرة أرمينيا البيضاء)، تدور في الفلك نفسه، وترصد قصة إنسانية عظيمة على هامش التاريخ... قصة من نسيج الخيال لكنها أقوى من الواقع... الرواية تدور أحداثها بين مصر وأرمينيا المحتلة، وترصد قصة إنسانية لأسرة بسيطة تعرضت للاضطهاد أثناء الحرب العالمية الأولى، ودارت بها الرحى دورة مذهلة، والكاتب الجيد من يستلهم من القصة الإنسانية ومن المكان فكرته، لذلك يمكن للكاتب أن يكتب عن بيئة مغايرة مثلما يكتب عن عالم موازٍ لم يره وعن خيال جامح لا يمكن رصده أو معايشته، فالتعبير قماشة واسعة وهائلة، وليس معنى أني أكتب عن مكان لم أزره انتقاص من قيمة العمل، فحتى المكان الذي عشت بين جنباته لا ينبغي أن أكتب عنه كما هو، وإلا ما فائدة قلمي وخيالي وثقافتي ورؤيتي...

● مغرم أنت بالتاريخ كما في رواية "صلوات العبيد" فماذا عنها؟

- للتاريخ مكانة كبيرة في نفسي، والأحداث التي تجري على هامشه قد تكون أهم من التاريخ نفسه، فالقصص الإنسانية العظيمة جرفها تيار التاريخ وألقاها في قاع الغياب، والروائي المحترف هو كالغواص التي يستخرج الكنوز من ذاك القاع البعيد ليعيد تقديمها إلى العالم، ورواية "صلوات العبيد"، إنسانية اجتماعية بالدرجة الأولى، تغوص في أعماق التاريخ العربي الممتلئ بالصراعات والتفاصيل الحياتية الكبرى، وتدور أحداثها بين عدة أقطار عربية مثل مصر والسودان والشام والجزيرة العربية، وتحديداً في الفترة منذ نهاية القرن الثامن عشر وحتى ما يقرب من نهاية القرن التاسع عشر... تلك الفترة التي تغيرت معها طبيعة العالم وطبيعة المنطقة العربية كلها. والرواية قامت بتهميش الحكام، ثم كتابة تاريخ جديد ينتصر لكل المهمشين.

تشكيل

* تعيش فى لوحاتك أجواء الماضي ونجد القهوة والنيل والبيوت القديمة مفردات تهيمن على أعمالك، لمَ تقف عند حدود النوستالوجيا دون الاشتباك مع الواقع؟

- لدينا مشاهد أصيلة في تراثنا وثقافتنا مازالت ممتدة وباقية حتى اليوم... فالقهوة والنيل والبيوت القديمة والحارات والترع والنخيل ما زالت قائمة وموجودة، إذن تناولها في الأعمال الفنية لا يمكن وصفه بالنوستالجيا، لكنني في ذات الوقت أحن كثيراً إلى الماضي مستغرقاً في حالة النوستالجيا، فحين يحاصرك قبح الحاضر من كل جانب وتتكالب عليك سطوات الظلام فلا طريق لديك إلا الانعزال أو الارتداد إلى المناطق المضيئة في الماضي... أما الاشتباك مع الواقع فيأتي عن طريق محاربة قبحه بالجمال، وربما أستمد هذا الجمال من المناطق المضيئة في الماضي، وربما من الخيال، وكلما ارتددتَ إلى الماضي تغير الحال إلى الأفضل، واكتشفت فيه مساحات كبيرة من الجمال أي ان عالمنا العربي منذ 50 عاماً كان أفضل منه الآن، وكأننا نسير إلى الخلف.

● إلى أى مدرسة يمكن أن تصنف أعمالك التشكيلية؟

- في العادة أنا ضد التصنيفات والتأطير، فمسألة التصنيفات نفسها لم تعد ملائمة اليوم بشكل كبير مثلما كانت في البداية، لأنها تطورت جداً وبعضها قد اندمجت وحملت إضافات جديدة وبعضها قد تلاشت، ولم يعد يقترب منها أحد ولكل فترة من حياتي خصوصيتها ومفرداتها وقد تتغير ريشتي ويتطور أسلوبي من الانطباعية إلى الرمزية إلى التجريدية، لكن على أي حال لا يغيب الإنسان أبداً عن لوحاتي، كما أن التعبيرية أيضاً لا تغيب وإن كنت أعتمد على تأثير اللون وقوته وتباين درجاته على سطح القماش، بالتالي تزداد التصنيفات تعقيداً ومداخلة فهناك من يراني منتمياً إلى المدرسة التشخيصية، ومن يراني منتمياً للمدرسة التعبيرية، لذلك أنا أرسم وأكتب وأترك التصنيف والتحليل لمن يرغب من النقاد ومن المشاهدين... لكن بشكل عام للفن لديَّ مكانة عظيمة جداً وأعتبره بمنزلة سجل كامل للحياة على الأرض.

نشرتُ هذا العام مسرحية للأطفال بعنوان "بنت النهار"، وهي أول أعمالي المسرحية وأقمت معرضاً جديداً للفن التشكيلي يتناول قضايا المرأة المصرية، ويبرز مناطق مهمة ومضيئة في كفاحها التاريخي الكبير... كما أتمنى أن أنجز حلقة جديدة في مشروعي الروائي الذي بدأته منذ أكثر من عشر سنوات وما زلت سائراً فيه خطوة بخطوة.