تعمقت الأزمة الجزائرية، أمس، غداة عودة الرئيس عبدالعزيز بوتفليقة من رحلة علاجية في سويسرا، بعدما أعلن أكثر من ألف قاضٍ جزائري أنهم سيرفضون الإشراف على الانتخابات الرئاسية في البلاد المقررة 18 أبريل المقبل إذا شارك فيها الرئيس المعتل الصحة، مؤكدين، في بيان، أنهم سيشكلون اتحاداً جديداً.

ومثلت خطوة القضاة أكبر ضربة يتلقاها معسكر الرئيس منذ بدء الاحتجاجات قبل أكثر من أسبوعين ضد سعيه للحصول على العهدة الخامسة وبالتزامن مع بدء سريان مقاطعة شاملة للمحامين لجلسات المحاكم مدة 4 أيام.

Ad

وبعد 5 أيام من سحب حزب «الجبهة الاشتراكية» نوابه من البرلمان، أعلنت أمس 6 كتل نيابية انسحابها من جلسات البرلمان احتجاجاً على «العهدة الـ5».

في غضون ذلك، شهد «الاتحاد العام» للعمال انشقاقات غير مسبوقة في تاريخه على مستوى القاعدة، منذ بداية الاحتجاجات التي انطلقت 22 فبراير الماضي، وأعلنت 20 نقابة في ولاية تيزي وزو، ليل الأحد ــ الاثنين، مساندتها للحراك الشعبي ضد بوتفليقة، كما قررت سحب الثقة من الأمين العام عبدالمجيد سيدي السعيد وطالبته بالرحيل الفوري.

في موازاة ذلك، أكد زعيم جمعية «العلماء المسلمين» أن «رجال الدين يحثون وزير الشؤون الدينية على الكف عن الضغط عليهم لتوجيه خطب تؤيد الحكومة».

في المقابل، قال وزير العدل الجزائري الطيب لوح، أمس، إن «على القضاة البقاء على الحياد».

وفي وقت تتزايد دائرة الانقسام داخل حزب جبهة التحرير الحاكم اتهم فيصل بوسدراية، ممثل حملة الرئيس بوتفليقة، في مقابلة مع قناة «الحدث»، أجنحة في الجيش بـ«تنفيذ أجندة غربية تقف ضد إعادة ترشح الرئيس»، مؤكداً في الوقت نفسه أن رئيس أركان الجيش أحمد قايد صالح يؤيد الترشح.

بوسدراية أكد أن بوتفليقة ماضٍ في الترشح للعهدة الخامسة، وأن حملته بانتظار قرار «المجلس الدستوري» فقط.

ونقلت قناة «الحدث» السعودية عن حملة بوتفليقة تبرؤها من بوسدراية، مضيفة أنها علمت من مصادر استقالة مدير حملة بوتفليقة في محافظة تيزي وزو.

وجاء اتهام بوسدراية بعد يوم من البيان الثالث لقائد الأركان الذي احتفظ بقدر من الغموض حول ما يجري في كواليس المؤسسة العسكرية، غير أنه أكد أن «الجيش والشعب يملكان نفس الرؤية للمستقبل».

وتتجه الأنظار إلى «المجلس الدستوري» المقرر أن يبت غداً ملفات المرشحين للرئاسة لإعلان القائمة النهائية للمرشحين لخوض الانتخابات.

صمت وتظاهر

ومع استمرار تواصل صمت الجهات الرسمية حيال مطالب المتظاهرين التي تتضمن إعلان خلو منصب رئيس الجمهورية بسبب حالته الصحية وإرجاء إجراء الانتخابات الرئاسية، أغلقت بعض المحلات والمؤسسات العمومية أبوابها أمس لليوم الثاني على التوالي.

وتظاهر طلاب المدارس الثانوية والمتوسطة احتجاجا على ترشح بوتفليقة البالغ من العمر 82 عاماً.

وعاشت الجزائر في الأيام الأخيرة، ظاهرة خروج تلاميذ المدارس في الاحتجاجات، في سابقة هي الأولى من نوعها في تاريخ البلاد.

من جهتها، وصفت وزيرة التربية والتعليم، نورية بن غبريط، عبر «فيسبوك» خروج التلاميذ إلى الشارع بـأنه «أمر خطير».

وقالت الوزيرة: «علينا جميعا من منطلق الواجب الأخلاقي والالتزام، وكذا المسؤولية، أن نحمي مدارسنا وتلاميذنا وأطفالنا»، مضيفة أن «المدرسة، كونها مجانية وإجبارية، فهي إذن مدرسة الشعب»، داعية للحفاظ عليها «من كل عمل مقصود أو غير مقصود يهدف إلى تسييسها المفرط واستغلالها».

وتابعت: «لنعمل كلنا، أولياء وأساتذة وتلاميذ ومؤطرين، ونقف على كلمة واحدة وهي المدرسة الجزائرية فوق كل اعتبار».

ضربة الدينار

من جانب آخر، نزلت قيمة الدينار الجزائري إلى مستوى تاريخي على وقع الاحتجاجات غير المسبوقة.

وذكرت صحيفة «الخبر» أن «العملة المحلية تنهار، منذ الأيام الماضية، بوتيرة متسارعة»، حيث تقدر قيمتها في السوق الموازية مقابل العملة الأوروبية بـ218 ديناراً مقابل يورو واحد.

وأوضحت مصادر أن الانهيار سيؤثر على القدرة الشرائية للمواطنين، على اعتبار أنه سينعكس على أسعار المنتجات، مفيدة بأن «المستوى المسجل في الوقت الراهن لم يبلغه الدينار حتى خلال فترات الذروة التي تعرف بارتفاع الطلب على العملة الصعبة».

وقال تجار العملة الصعبة في السوق الموازية إن سبب ما يحدث يعود إلى تداعيات الاحتجاجات التي تشهدها البلاد منذ أسابيع، مشيرين إلى أن الطريقة التي تنخفض بها العملة الوطنية حالياً لم تشهدها في السابق.

خلافة لعمامرة

وكانت وكالة رويترز أوردت قبل أسبوعين تكهنات حول خليفة محتمل بوتفليقة يجري التداول به في أروقة القرار.

ونقلت الوكالة عن مصادر أنه مع استمرار تردي الحالة الصحية لبوتفليقة فإن اسم المستشار الدبلوماسي رمطان لعمامرة يتقدم كرئيس محتمل للبلاد.

وشغل لعمامرة (66 عاماً) منصب وزير الخارجية، وهو نشيط على «تويتر» خلافا لما هي الحال بالنسبة إلى أغلبية السياسيين الجزائريين بمن فيهم بوتفليقة.

وبحسب المصادر، فإن وصول لعمامرة إلى سدة الرئاسة، إن صح، يرضي المحتجين في الوقت الحالي.

وعلى مدى سنوات ترددت شائعات عن خلفاء محتملين لبوتفليقة لكن لم تظهر شخصية يعتد بها وتحظى بدعم الجيش والنخبة.

وتمكن بوتفليقة من الاستمرار في السلطة بعد انتفاضات ما وصف بـ«الربيع العربي» التي أطاحت أنظمة في دول مجاورة عام 2011.

موقف فرنسا

وعلى صعيد ردود الفعل الدولية، أشادت الحكومة الفرنسية أمس بـ»الهدوء والكرامة وضبط النفس»، التي يتحلى بها المتظاهرون في الجزائر.

وقال متحدث باسم الحكومة إن موقف بلاده إزاء الأزمة يقوم على 3 مبادئ، أولها أن «الجزائر بلد يتمتع بالسيادة، ويعود لشعبه وحده أمر اختيار قادته ومستقبله»، ما من شأنه أن يؤدي إلى «شفافية المسار وحريته».

والمبدآن الآخران هما واقع أن الجزائر بلد صديق لفرنسا، وأنه «بلد محوري في إفريقيا ومنطقة المتوسط، لذا فإن استقراره وأمنه وتنميته أمور أساسية».

الجيش: نتطلع لأيادٍ أمينة ترعى العهد

في رابع خطاب لقائد أركان الجيش الجزائري خلال أيام قليلة، وصف الفريق أحمد قايد صالح أمس، جيش بلاده بالمحترف في أدائه، وقال إن تفكيره «يسير دوماً وفقاً لضوابط قوانين الجمهورية، ولنطاق وطبيعة المهام المخولة له، ومحترف أيضاً في هضم واستيعاب مقاييس المحافظة الدائمة على رصيد ثقة شعبه».

وبمعانٍ لها مدلولها وسط القبضة الحديدية المحتدمة بين سلطة حزب «جبهة التحرير» والاحتجاجات الشعبية الرافضة لترشح الرئيس عبدالعزيز بوتفليقة لعهدة خامسة، حرص قائد الجيش على التشديد أنّ «الجيش ينظر إلى المصلحة العليا للبلاد نظرة شاملة وبعيدة، يصبح من خلالها الوطن وديعة بين أيادٍ أمينة».

ووسط حديث في الكواليس عن جولات حثيثة لحسم مرحلة ما بعد بوتفليقة، تابع صالح: «نتطلع لأيادٍ تعرف للأمانة حقها، وترعى للعهد حق الالتزام، وحسن الرعاية، أيادٍ تقدر قيمة العمل الشريف والنظيف». وأكد صالح (79 عاماً) «حسن التكيف الدائم للجيش مع مقتضيات المصلحة الوطنية العليا ومتطلبات تحقيقها وفق الإحساس بالمسؤولية والواجب حيال الشعب والوطن».