فتح الكتاب الذي تقدمت به مراقبة اللجان الطبية في المجلس الطبي العام، د. فاطمة حمادة، إلى مسؤولي وزارة الصحة، والذي جاء فيه تزايد ضغوط وتدخّل بعض أعضاء مجلس الأمة في قرارات اللجنة الدائمة بالمجلس الطبي العام، مزيدا من التساؤلات حول الفساد الذي تعانيه القطاعات الحيوية في وزارة الصحة وسكوتها عن التدخلات النيابية في أعمالها الفنية.

فقد تصاعدت أمس ردود الفعل المنددة بتدخّل بعض أعضاء مجلس الأمة في اللجان الطبية التابعة لوزارة الصحة، وذلك في أعقاب تسرّب الكتاب الذي أرسلته حمادة إلى كل من وزير الصحة الشيخ د. باسل الصباح، ووكيل الوزارة، والوكيل المساعد للشؤون القانونية، «لتبيان حقيقة ما يحدث في اجتماعات اللجنة الدائمة بالمجلس الطبي العام»، أكدت فيه أن «الآونة الأخيرة شهدت ازدياد الضغوط والتدخل السافر لبعض أعضاء مجلس الأمة في قرارات اللجنة الدائمة، مما يترتب عليه إصدار قرارات وتوصيات طبية غير صحيحة، وتفتقر إلى العدالة والمساواة، وفيها كثير من الظلم لبقية الناس الذين لا تربطهم علاقة بأعضاء مجلس الأمة هؤلاء».

Ad

وأشارت حمادة، في كتابها، إلى أنه «من المؤسف أن تجد النائب المحترم يستخدم نفوذه في الضغط على أعضاء اللجنة لإصدار قرارات وتوصيات طبية غير صحيحة»، مشيرة إلى أنه «في حال رفضنا الخضوع لهذه الضغوط، يوجه النائب المحترم الأسئلة البرلمانية والتشكيك والتقليل من جهود أعضاء اللجنة الذين يعملون جاهدين، ومن دون مقابل، للمحافظة على كيان هذه الإدارة من الفساد الإداري الموروث، وتعتبر تلك الممارسات هي السبب الرئيس في فسادها».

وكانت مواقع التواصل الاجتماعي قد شهدت خلال الساعات الماضية سيلا من الانتقادات الموجهة إلى المسؤولين في وزارة الصحة، تطالبهم فيها بالكشف عن أسماء النواب الذين يتدخلون في أعمال اللجان الطبية، معتبرين أن هذا التدخل يعد فسادا وهدرا للعدالة والمساواة بين المواطنين.

وقف التدخلات

وفتح هذا الكتاب عشرات التساؤلات عن قدرة وزارة الصحة ورغبتها في وقف تدخّل بعض النواب بأعمال اللجان الفنية، وعلى رأسها لجان العلاج بالخارج، ومحاولة بعضهم ترهيب أعضاء اللجان الطبية المتخصصة في المستشفيات لقبول أسماء بعينها للسفر للعلاج السياحي من المحسوبين على بعض النواب.

وشهدت وزارة الصحة خلال الفترة الماضية عشرات التقارير التي تؤكد وجود خلل كبير في قطاعات فنية حيوية فيها، على رأسها إدارة العلاج بالخارج، وشهد ملف إرسال «المرضى للسياحة العلاجية» ارتفاعا كبيرا كشفته تقارير داخلية أشارت إلى أن عدد المرضى المبتعثين للعلاج في الخارج تجاوز الـ6 آلاف حالة خلال عام 2018.

وفي تقرير نشرته «الجريدة» بتاريخ 28 يناير الماضي تحت عنوان «تجاوزات الصحة»... 365 يوماً من الإهمال - استجواب الصفحة الواحدة في اللجنة التشريعية... إلى متى؟، أشار التقرير إلى أنه رغم مرور أكثر من عام على إنجاز لجنة التحقيق البرلمانية في تجاوزات وزارة الصحة تقريرها بشأن المخالفات المالية والإدارية للوزارة، فإن التقرير لا يزال مهمَلا في جدول أعمال مجلس الأمة، إذ لم تتم مناقشته حتى تاريخه.

واحتوى التقرير على العديد من البيانات المهمة عن ملف العلاج بالخارج التي تشير إلى وجود كثير من التجاوزات، كما انتهت اللجنة من خلاله إلى عدة نتائج، ضمنها، على سبيل المثال لا الحصر، تكرار عدول لجنة التظلمات عن قراراتها برفض العلاج في الخارج، وعدم التحقق من سفر المرضى وعودتهم.

وفي موازاة ذلك تقدم عدد من نواب الأمة بطلب فتح ملف تجاوزات وزارة الصحة عبر الأسئلة البرلمانية، حول العلاج بالخارج والأخطاء الطبية وتجاوزات في التعيينات والوظائف الإشرافية، وعدم اعتماد الهيكل التنظيمي للوزارة.

وكانت «الجريدة» قد فجّرت مفاجأة من العيار الثقيل بنشرها خبرا بتاريخ 25 أغسطس 2018 عن عدم صلاحية سيارات الإسعاف التي تعاقدت عليها الوزارة عام 2015، وهو ما أيده تقرير لإدارة الفتوى والتشريع بتاريخ 15 يناير الماضي، الذي أكد خبر «الجريدة» وطالب وزارة الصحة بعدم تسلّمها السيارات لوجود أعطال بها تسبب أضراراً للمرضى، مطالبا الوزارة بمجابهة الإخلال باتخاذ الإجراءات المقررة قانوناً والمنصوص عليها بالعقد، وهو ما يعدّ فسادا أيضا.

وأكدت «الفتوى» وجود خلل فني في نظام التكييف لا يحقق درجات البرودة المطلوبة تعاقديا، سواء بالكابينة أو في غرفة المريض بجميع السيارات.

وقد تسبب ملف «سيارات الإسعاف» في تقديم عضو سابق في «لجنة المناقصات» وزوجته إلى النيابة بتهمة الرشوة في هذا الملف.

جرائم فساد

كما طفت على السطح إحالة مسؤولين في «الصحة» إلى النيابة بشبهة جرائم فساد اشترك فيها مسؤولون من الوزارة تمثلت في سوء استخدام آليات وبدلات الانتداب.

وبتاريخ 16 ديسمبر الماضي فجّر جهاز المراقبين الماليين مفاجأة من العيار الثقيل بأن وزارة الصحة تتجاوز الدستور، حيث صرفت مبالغ مليونية على العلاج بالخارج دون الالتزام بضوابط إيفاد المرضى، وارتكبت 8653 مخالفة في أكثر من 56 ألف معاملة بالسنة المالية الحالية بلغت ذروتها في خدمات العلاج بالخارج، وحساب العُهد.

ووصف التقرير، الذي نشرته «الجريدة»، أن الصرف الفعلي للخدمات الصحية بالخارج بلغ 124 مليون دينار، غير أن «الصحة» تجاوزت، بمعرفة وتمويل وزارة المالية، قيد الميزانية الذي نص على ضرورة التزام الجهات التي لها مكاتب خارج الكويت بتمويلها في حدود الاعتماد المنصوص عليه.

وأضاف أنه تم تحويل 111 مليون دينار للمكاتب الصحية بالخارج زيادة على المقدر في الميزانية المخصصة لذلك، مما ترتب عليه ارتفاع رصيد العُهد المتراكم في الوزارة إلى أكثر من 1.5 مليار دينار، لافتا إلى أن 80 في المئة من ذلك الرصيد يخص تمويل تلك المكاتب طوال عدة سنوات مالية، ولم يتم تسويته إلى الآن.

واعتبر التقرير أن «الصحة» هي الأعلى في رصيد العُهد المتراكمة بين الجهات الحكومية، والبالغ على مستوى الميزانية العامة للدولة نحو 6 مليارات دينار، إذ يعود 25 في المئة منه للوزارة، بما يقارب مليارين، الأمر الذي يقتضي من وزارة المالية التشديد على هذه الجهات لتسوية تلك العهد أولا فأولا، إلى حين إقفال الحساب الختامي للميزانية الحالية؛ وألا تُصرف لها إلا في حدود المخصص للحد من تضخمه.

وقال التقرير إن ديوان الخدمة المدنية سجل 68 مخالفة على الوزارة، ولم يصحح منها إلا واحدة، وتركزت المخالفات على التوالي في شغل الوظائف الإشرافية – الرقابة المسبقة – الهياكل التنظيمية، ولا تعرض الوزارة عليه بعض قرارات ترشيح موظفيها في المهمات الرسمية».

وأضاف أن هناك 33 مخالفة مالية على وزارة الصحة بعضها يخص سنوات سابقة وبعضها جديدة، ولا تجري الوزارة فيها التحقيقات اللازمة؛ ولا يتلقى الديوان منها رداً؛ وأنها تتعنت في التعامل مع طلباته، وفقا لتقرير الديوان وكتبه الرسمية الواردة للجنة.

وذكر أن بعض تلك المخالفات المالية ارتبطت ببنود تم إجراء مناقلات مالية عليها، زيادة عما هو معتمد لها في الميزانية كبند ايجار معدات نقل جوي، وتم إفراد محور خاص لها في التقرير الفني.

وظهر أيضا ملف آخر، هو حصول أطباء وممرضين وصيادلة على «شهادات دكتوراه» نالوها من جامعات باكستانية وفلبينية وأردنية وهم على رأس عملهم، وسط استمرار مطالب نيابية بالكشف عن المزوِّرين.

كما باشرت «نزاهة» في التحقق في شبهات بمناقصة «عافية 2»، وأكدت أن أجهزتها المختصة باشرت جمع المعلومات وإجراء التحريات اللازمة فيما أثير في بعض وسائل التواصل الاجتماعي حول شبهات في مناقصة عقد «عافية 2»، تمثلت في اعتذار الشركة صاحبة أقل عطاء وترسية المناقصة على أخرى تقدمت بعطاء أكبر.

النصف يسأل الوزير عن تعيين ممرضات دون صرف رواتبهن منذ 2016

طفا على السطح أيضا ملف «تعيين الممرضات»، الذي تم تحويله إلى النيابة العامة، بعد توصل التحقيق في هذه المسألة إلى أن هناك مخالفات تتمثل في شبهة الإضرار بالمال العام.

وكان النائب راكان النصف قد وجّه سؤالا إلى وزير الصحة حول تعيين أعداد كبيرة من هؤلاء الممرضات بواسطة شركات دون صرف رواتب لهن منذ عام 2016، حيث كان هذا الملف أحد موضوعات استجوابه المقدم لوزير الصحة الأسبق د. علي العبيدي، مشيرا إلى أن الفساد الذي ضرب قطاعات الوزارة شل تطويرها، وكبّد المال العام خسائر كبيرة، وأضر بسمعة الكويت دوليا.

وأشار د. باسل الصباح، في رده، إلى أن المخالفات تمثّلت في استقدام أعداد مبالغ فيها من هؤلاء الممرضات للعمل بالوزارة بما يفوق الدرجات الوظيفية المقررة لـ «الصحة» من ديوان الخدمة المدنية، فضلا عن شبهة في إجراءات تعيينهن من خلال إصدار سمات دخول ومنحهن إقامات حكومية دون موافقة ديوان الخدمة، إلى جانب شبهة إنهاء إجراءات تعيينهن مقابل دفع مبالغ مالية كبيرة.