خرجت تظاهرات جديدة في العاصمة الجزائرية وعدة مدن، أمس، تطالب بتغيير فوري وترفض خطوة الرئيس عبدالعزيز بوتفليقة التي اتخذها مساء أمس الأول بإرجاء الانتخابات الرئاسية التي كانت مقررة 18 أبريل المقبل لأجل غير مسمى، تمهيدا لعقد ندوة وطنية لوضع إصلاحات دستورية، وتحديد موعد جديد للانتخابات، وهو ما يعني عمليا تمديد عهدة الرئيس الحالية.

وتجمع طلاب بوسط العاصمة أمس، رافضين لـ «تمديد حكم بوتفليقة». وردد العشرات في مسيرات متفرقة «نريد لهذا النظام أن يرحل».

Ad

وردّد الطلاب شعاراً واحداً «طلبة صامدون للتمديد رافضون»، بينما استبدلت لافتات رفض الولاية الخامسة التي تراجع عنها بوتفليقة، بلافتات كتب عليها رقم «4+».

وتواصل الإضراب الجزئي رفضا لاستمرار بوتفليقة في السلطة أمس، وأصيب ميناء مدينة بجاية بالشلل أمس، في حين يتوقع أن تخرج الاحتجاجات الأكبر يوم الجمعة المقبلة.

احتفالات ومقياس

وبعد 3 أسابيع من الاحتجاجات التي تطالب بتنحي الرئيس المعتل صحيا، لم يعرف أمس على وجه الدقة إذا ما كانت خطوة بوتفليقة التي جاءت غداة عودته من سويسرا ستنجح في تهدئة الشارع ووقف الاحتجاجات الحاشدة وإقناع الأحزاب السياسية بالمشاركة في مسار تعديل الدستور، وطرحه لاستفتاء شعبي قبل نهاية العام والتحضير لانتخابات رئاسية، تمهيدا لميلاد جمهورية جديدة.

وتشكل تظاهرة أمس مقياسا أوّليا لمدى رفض أو قبول الشارع الجزائري لقرارات بوتفليقة الذي يواجه أكبر موجة احتجاج منذ وصوله إلى الحكم في 1999.

وكردّ فعل أوّلي على قرارات بوتفليقة، خرج جزائريون، مساء أمس الأول، في احتفالات محدودة، لاسيما في العاصمة ومحافظة جيجل وقسنطينة.

وانتشرت تعليقات على صفحات مواقع التواصل، خاصة «فيسبوك»، حول القرارات التي يراها البعض «خطوة ناجحة»، بينما رفض البعض الآخر القرارات على اعتبار أن «بوتفليقة أعاد وجهين يمثلان النظام»، في إشارة إلى تعيين وزير الداخلية نور الدين بدوي وزيرا أول خلفا لأحمد أويحيى، وتعيين رمطان لعمامرة نائبا لرئيس الوزراء. ويوصف بدوي بأنه ظل رئيس الحكومة المقال.

الإبراهيمي ولعمامرة

وبدأت تتكشف تفاصيل جديدة تظهر جانبا من ملامح الفترة الانتقالية التي أعلن عنها بوتفليقة لتأسيس ما وصفه بنظام جديد سيكون «بين أيدي الأجيال الجديدة من الجزائريات والجزائريين».

وتردد أمس بقوة أن الدبلوماسي الجزائري وزير الشؤون الخارجية الأسبق الأخضر الإبراهيمي سيرأس هيئة مستقلة تشرف على «ندوة الوفاق الوطني» التي ستخول وضع التعديلات الدستورية بمشاركة ممثلين للمتظاهرين، إضافة إلى شخصيات لعبت دورا بارزا في حرب الاستقلال التي استمرت من عام 1954 إلى عام 1962.

وقال مصدر حكومي لـ «رويترز»، إن «الندوة الجزائرية ستضم ممثلين للمتظاهرين وجميلة بوحيرد، وزهرة ظريف بيطاط، والأخضر بورقعة».

ونقلت الوكالة كذلك عن مصادر سياسية أن الجيش سيلعب بشكل شبه مؤكد دوراً قيادياً في عملية الانتقال، وإنه يجري تقييما يشمل ثلاثة أو أربعة مدنيين لتولي الرئاسة.

وبعد يوم من إقالة بوتفليقة حكومة أويحيى، تمهيدا لتشكيل حكومة كفاءات، فضلاً عن الدعوة إلى «الندوة الوطنية»، وتنظيم الاستحقاق الرئاسي تحت إشراف حصري، تنظيماً ومراقبة، لهيئة انتخابية وطنية مستقلة، وذلك مباشرة بعد الندوة، وصف نائب رئيس الوزراء الجديد لعمامرة قرارات بوتفليقة الجديدة بأنها «أهم نقطة تحول في البلاد منذ الاستقلال عن فرنسا عام 1962».

وقال لعمامرة إنه سيجري تشكيل حكومة كفء، تحظى بثقة المشاركين في «الندوة الوطنية»، التي ستشرف على الانتخابات الرئاسية.

وتعد الخطة السياسية الجديدة التي طرحها بوتفليقة، نتيجة لرفض الشارع الجزائري تعهدات كان أعلنها في رسالة ترشحه في الثالث من مارس الجاري، والمتعلقة بتنظيم مؤتمر وفاق وطني وتعديل الدستور، في حال انتخابه لعهدة خامسة.

ويحكم بوتفليقة (82 عاما)، البلاد منذ 20 عاما، ونادرا ما يظهر في العلن منذ إصابته بجلطة دماغية في عام 2013.

اعتراض وخرق

في المقابل، قال عبدالعزيز بلعيد (أحد مرشحي الرئاسة) إن القرارات التي أصدرها بوتفليقة تضمنت «خرقا للدستور»، في حين اعتبرها المرشح عبدالقادر بن قرينة تجسيداً لـ «شرعية الأمر الواقع».

وكتب بلعيد، وهو رئيس حزب «جبهة المستقبل»، عبر «فيسبوك»: «تقيدنا دوما في عملنا السياسي بأحكام الدستور، وطالبنا السلطة باحترامه، القرارات الواردة في رسالة رئيس الجمهورية المنتهية ولايته خرق صارخ لأحكام الدستور».

من جهته، نشر المرشح الإسلامي للرئاسة عبدالقادر بن قرينة تغريدة على «تويتر» جاء فيها «رفض البعض حلولا دستورية في إطار شرعية منقوصة نتيجة الأنانية المفرطة والنظرة الضيقة، كيف يقبلون الآن بشرعية واقعية المتغلب؟».

وكان بن قرينة، وهو رئيس حركة «البناء الوطني»، يشير إلى موقف المعارضة التي طالبت بتأجيل الانتخابات وانسحبت من السباق.

وفي تصريح مسجل، حمّل رئيس حزب «طلائع الحريات» رئيس الحكومة الأسبق، علي بن فليس، من سمّاهم «القوى غير الدستورية» المسؤولية عن الاستمرار في الاستيلاء على صلاحيات رئيس الدولة وعلى مركز صنع القرار في البلاد، وعن «تعد جديد على الدستور» من خلال تمديد الولاية الرئاسية الرابعة لبوتفليقة، مشدداً على أن القرار جاء خارج كل النصوص القانونية دون موافقة من الشعب.

من جانبه، اعتبر رئيس «جبهة العدالة والتنمية» عبدالله جاب الله قرارات بوتفليقة «مستهلكة»، وقال إن الوعود نسخة أصلية عن رسالة الترشح تعوزها الضمانات التي تهدف إلى الالتفاف على مطالب الشعب.

بدوره، ناشد المنسق الوطني لحزب «الاتحاد الديمقراطي والاجتماعي» كريم طابو، الشعب تنظيم تظاهرات مليونية في جميع أنحاء البلاد رفضا لمبادرة بوتفليقة، محذرا من «محاولة النظام للمؤامرة على الحراك الشعبي».

واعتبر عبدالمجيد مناصرة، نائب رئيس «حركة مجتمع السلم»، وهي أكبر حزب إسلامي في البلاد، أن قرار بوتفليقة لا يستند إلى نص دستوري.

وقال إن المعارضة الجزائرية تنتظر رأي الشارع بخصوص ما إذا كان سيقبل القرار الرئاسي الأخير، ومن المتوقع أن تُرفض هذه المبادرة.

في غضون ذلك، اتخذ المحامي والناشط الحقوقي مصطفى بوشاشي موقفا أكثر تحفظا إزاء قرارات بوتفليقة، واصفا إياها بـ «انتصار جزئي للحراك الشعبي»، مشيرا في الوقت نفسه إلى أن المطلب الأساسي للمتظاهرين لم تتم تلبيته بعد، وهو إطلاق مرحلة انتقالية بحكومة توافقية.

ترحيب فرنسي

من جهة أخرى، رأى الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون أن قرار بوتفليقة التراجع عن الترشح لعهدة خامسة يفتح فصلا جديدا في تاريخ الجزائر، ودعا إلى فترة انتقالية «لمدة معقولة». وقال ماكرون، في مؤتمر صحافي مع نظيره الجيبوتي إسماعيل عمر غيله: «أحيي قرار الرئيس بوتفليقة الذي يفتح صفحة جديدة». في سياق منفصل، طلبت زعيمة حزب التجمع الوطني اليمني المتطرف مارين لوبن من الحكومة الفرنسية التوقف عن منح الجزائريين تأشيرات دخول، لتدارك "تدفق أفواج المهاجرين"، إذا ما اضطرب الوضع في البلاد، التي تعصف بها أزمة سياسية عميقة.

كيف قرأت صحف الجزائر وفرنسا قرارات بوتفليقة؟

تناولت الصحافة الجزائرية الصادرة أمس بإسهاب كبير قرارات الرئيس عبدالعزيز بوتفليقة عدم الترشح للانتخابات الرئاسية وتأجيلها الى ما بعد اجراء حوار وطني على تعديل الدستور، إضافة إلى التعديلات الحكومية، وتباينت قراءاتها وتحليلاتها بحسب توجهاتها.

وكتبت صحيفة "الخبر" بالبنط العريض: "بوتفليقة يمدد الرابعة"، موضحة أن رئيس الجمهورية خضع لمطلب عدم الترشح للانتخابات وتأجيل الرئاسيات، لكن بالطريقة التي تضمن له البقاء رئيساً.

وسارت صحيفة " ليبرتيه" على نفس النهج وكتبت "بوتفليقة يمدد عهدته"، في حين قالت صحيفة "لوثون داليجيري": "بوتفليقة يتراجع عن العهدة الخامسة".

وعلقت صحيفة "المجاهد" الحكومية على قرارات بوتفليقة بالقول: "في الخدمة الحصرية للشعب"، وكتبت يومية "الوطن" مقالها الرئيس بعنوان: "يلغي الرئاسيات ويبقى في السلطة... الحيلة الأخيرة لبوتفليقة".

واختارت صحيفة "البلاد" عنوان: "حراك الشارع يعصف بالرئاسيات"، في حين نوهت "لوسوار دالجيري" بقرارات بوتفليقة الذي تقدم بـ7 التزامات حسب يومية " ليكسبريسيون".

وفي فرنسا، عنونت صحيفة ليبراسيون اليسارية على صفحتها الاولى "الجزائر: الانتصار الأول"، في إشارة الى تراجع بوتفليقة عن الترشح استجابة لمطالب الحراك الشعبي.

وكتبت "لوفيغارو" اليمينية المحافظة: "الجزائر تطوي صفحة بوتفليقة". وتحدثت "لوموند" عن شعور "منقوص" بالفرح في الشارع بعد إعلان بوتفليقة، وكتبت "لوكورييه": "نصف انتصار، لكنه على الرغم من ذلك انتصار"، أما "لوباريزين" فعنونت: "الجزائر: ما هي السيناريوهات الآن؟".