تعد قبيلة (ماه ميري) الماليزية العريقة واحدة من بين 18 قبيلة تمثل السكان الأصليين في شبه الجزيرة الماليزية الذين يعرفون ب(أورانغ أصلي) ويرجع تاريخها الى أكثر من 10 آلاف سنة.

وتنتمي (ماه ميري) الى قبيلة (سينوي) التي تعد الى جانب قبيلتي (نيغريتو) و(بروتو مالاي) القبائل الرئيسية الثلاث المكونة للسكان الاصليين في ماليزيا.

Ad

وتسكن قبيلة (ماه ميري) التي تعرف باسم (شعب الغابة) بلغة القبيلة جزيرة (كاري) الماليزية ويتميز افرادها بمهاراتهم واتقانهم لفن نحت الخشب وصناعة التماثيل والأقنعة اذ اكتسبت بعض تلك المنحوتات اعترافا دوليا من منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (يونسكو).

ويبلغ تعداد (ماه ميري) وفقا لاحصاءات هيئة الإحصاءات الماليزية حوالي 2800 شخص يحتفظ بعضهم بلغتهم الخاصة وتسمى (بيسيسي) وهي لغة مهددة بالانقراض كما لا يوجد في لغتهم سوى ثلاثة أرقام فقط وذلك يدل على مدى ضعفهم في الحساب حيث تعاني السلطات من تعليمهم في المدراس الحكومية.

وقبيلة (ماه ميري) هي من القبائل الأصلية المهددة بالانقراض وذلك لخضوعها لتغيرات فكرية ودينية وتنموية نتيجة لاندماج بعض افرادها مع المجتمعات الأخرى في ماليزيا حيث اعتنق معظمهم الإسلام وقليل منهم المسيحية وتركوا العديد من تقاليدهم وعاداتهم المنافية للديانات.

وفي هذا السياق قال مدير مركز (ماه ميري الثقافي) بجزيرة (كاري) الباحث الماليزي راشد عيسى لوكالة الأنباء الكويتية (كونا) اليوم الاربعاء ان المتمسكين بتقاليد وعادات القبيلة لا يعتنقون ديانة محددة فهم يعتقدون أن البشر والنباتات والحيوانات وحتى الجماد تمتلك أرواحا يتفاعل معها أبناء القبيلة في حياتهم اليومية.

واوضح عيسى الذي درس تاريخ القبيلة لأكثر من 30 عاما ان مركز (ماه ميري الثقافي) الذي تموله الحكومة الماليزية بمثابة وجهة سياحية لمحبي التاريخ والتراث اذ يتيح لزائريه فرصة المشاركة في بعض الطقوس التقليدية للقبيلة مثل احتفالات الزواج إلى جانب حضور الاستعراضات التقليدية وتذوق الاكلات الشعبية.

واضاف ان المركز يقيم ايضا ورش عمل في فن النحت على الخشب وفن تشكيل أوراق ال(اوريغامي) بسعف النخيل وتعليم الموسيقى والرقص الشعبي كما يضم متحفا لعرض بعض الأدوات والمصنوعات التقليدية للقبيلة التي وجدت في أنحاء من القرى النائية منها المقتنيات المنزلية القديمة ومستلزمات الزواج والملابس التقليدية وأجهزة العزف والموسيقى.

ولا توجد حتى الان معلومات وافية عن أصول هذه القبيلة وجذورها إلا أن عيسى الذي قام ببحث وتتبع جذورها توصل بشكل غير دقيق إلى أن مجموعة (سينوي) التي تعتبر قبيلة (ماه ميري) أحد فصائلها وصلت ماليزيا من إقليم (يونان) في جنوب الصين عبر لاوس وتايلاند منذ حوالي 10 آلاف سنة.

وقال عيسى انه يعتقد ان هذه القبيلة وصلت إلى السواحل الماليزية لتجنب عمليات الاستيلاء والاستعباد من القراصنة الذي كانوا نشطين في مضيق (ملقا) وبحر (أندامان) ابان تلك الفترة مضيفا أنهم استقروا في جزيرة (كاري) على الساحل الغربي من شبه الجزيرة الماليزية.

وأوضح أن الجزيرة التي تبعد 40 كيلومترا عن العاصمة كوالالمبور سميت باسم رجل بريطاني يدعى كاري فالانتاين الذي تمكن من زراعة البن والمطاط في أرجاء من الجزيرة منذ أكثر من 100 عام مضيفا أنه كتب في مذكراته عن حياة وتقاليد قبيلة (ماه ميري).

واشار الى ان أفراد القبيلة يعيشون في 10 قرى متفرقة في الجزيرة حيث لايزال عدد منهم يحافظون على أسلوب حياتهم التقليدية في الغابات ويعيشون في منازل خشبية صغيرة مرتفعة قليلا عن الأرض فيما يعمل معظمهم في الزراعة وصيد الأسماك وبيع منتجاتهم البحرية والنهرية.

واضاف ان افراد القبيلة يقومون ببيع تماثيلهم وأقنعتهم المنحوتة من الخشب حيث يتوارث هذه الصنعة الأجيال لاسيما الرجال.

واوضح ان لكل نحت قصة معبرة بين أبناء القبيلة لعل أشهرها تمثال (النمر الحزين) المقيد بالسلاسل ويظهر مكشرا عن انيابه وكان قد وقع في فخ نصب له منذ فترة طويلة وتركه القرويون ليموت فيه خوفا من إطلاق سراحه.

وقال ان البريطانيين عثروا على هذا التمثال الفريد خلال فترة الاستعمار إلى جانب أكثر من 720 تمثالا وقناعا تصل أعمار بعضها إلى أكثر من 300 عام.

وافاد بانه تم العثور على تلك التماثيل والأقنعة المصنوعة من أخشاب شجر (باتو نيريه) في أنحاء متفرقة من الغابات والسواحل وضفاف الأنهار حيث جرت العادة في هذه القبيلة على نحت تمثال يحكي حادثة مهمة وقعت في القرية ويضعونها في نفس مكان وقوع الحادثة لذلك تشكل تماثيلهم مجسمات فنية لها تعبيرات ضمنية تدل على مدى حبهم للطبيعة.

ونوه عيسى بأن شعب (ماه ميري) محب للطبيعة مشيرا الى ان خير دليل على ذلك هو تعامل افراده معها فالأشجار التي يتم قطعها يجب إعادة زرع أخرى مكانها اذ ان أي شيء يتم تدميره في الطبيعة يجب أن يحل مكانه الشيء ذاته.

واضاف أن نساء هذه القبيلة يشتهرن أيضا بإجادتهن لفن يشبه ال(اوريغامي) أو فن طي الورق حيث تعد صناعة الأدوات التقليدية من سعف النخيل مصدر دخل ثابت لهن مستمد من ثقافتهن الأصيلة ويتم تصدير إبداعاتهن الفنية إلى بلدان أخرى.

وقال انه فيما يتعلق بالحياة العامة لتلك القبيلة فان أفراد كل قرية من القرى العشر التي يعيش فيها أفراد (ماه ميري) ينتخبون رئيسا أو كبيرا للقرية يسمى (باتين) ويدفع له مرتب سنوي من الحكومة الماليزية وعادة ما يتمتع بالقدسية والاحترام من القرويين.

واوضح ان كاهن القبيلة ويسمى ب (بوموه) هو ايضا من الشخصيات في القرية التي تحظى بالاحترام والتقدير ويلعب دورا شعائريا في الاحتفال السنوي للقبيلة كما يعتقد أنه يدفع الضرر عن أفرادها لاسيما فيما يتعلق بالظواهر الناجمة عن القوى الميتافيزيقية او قوى ما وراء الطبيعة.

واشار الى ان انه فيما يتعلق بحفلات الزفاف فهي معقدة للغاية وتنطوي على نفقات كبيرة تبدأ باختيار الخاطب لزوجته من بين مجموعة من المرشحات المحتملات اللاتي يوضعن خلف ستارة تظهر من خلالها أيديهن فقط حيث يختار العريس المرتقب زوجته المستقبلية على أساس الأيدي.

وافاد بان مراسم الزواج تستمر على مدى 4 أيام تتخللها 7 طقوس مهمة منها طقوس عادية ومنها اخرى غريبة تنتهي بطقوس شحذ أسنان الزوجين وذلك لاعتقادهم أنهما إذا توفيا ولديهما أطفال فإن روحهما لن تأكل الأطفال.

وذكر ان من المفارقات العجيبة في الحياة الاجتماعية لشعب (ماه ميري) أنهم يؤمنون بالمساواة بين الجنسين الذكر والأنثى في جميع أمور ومجالات الحياة حتى في الزواج حيث يسمح للجنسين بالزواج بأكثر من زوج أو زوجة في وقت واحد.

واشار الى انه فيما يتعلق بالاحتفال السنوي الذي يتم فيه فتح الباب بين عالم البشر وعالم الروح ويعرف بيوم (الأرواح) فيعقد ليوم واحد في وقت ما بين شهري فبراير وأبريل من كل عام استنادا إلى قرار مجلس كبار ورؤساء القرى في القبيلة وذلك بعد رؤية ومناقشة أرواح أسلافهم الذين يأتون إليهم في منامهم لتحديد يوم الاحتفال لأنهم يعتقدون أن ما يرونه في المنام هي مؤشرات لأحداث مستقبلية.

واوضح ان افراد القبيلة يقومون في نهاية هذا اليوم بترديد الأغاني وأداء رقصة الغابة (تاريان جووه) ورقصة القناع (تاريان توبينغ).