إنهاء تعرّض أميركا للخطر في كوريا
ستبقى سياسة كوريا مع واشنطن مختلةً بعمق، حتى لو عادت العلاقة بين ترامب وكيم إلى مسارها الصحيح بعد انهيار قمة هانوي وقادت إلى مفاوضات مثمرة. فسيظل القادة الأميركيون مهووسين بوهم نزع أسلحة كوريا الشمالية النووية بالكامل،وما زالت الولايات المتحدة تقف في الخطوط الأمامية في منطقة غير مستقرة، مواجهةً خصماً لا يمكن توقع خطواته، لذلك على واشنطن أن تطبق تغييراً سياسياً أكثر عمقاً.يجب أن يكون هدف الولايات المتحدة الرئيس التخلص من مخلفات حربها الباردة مع بيونغ يانغ التي دامت سبعة عقود، ولا شك أن عقد مفاوضات للتوصل لاتفاق ينهي رسمياً الحرب الكورية ضروري، وبما أن الولايات المتحدة تشارك في هذا الصراع فينبغي أن تشكّل واشنطن طرفاً في أي اتفاق، وعلى نحو مماثل تُعتبر المفاوضات الثنائية مهمة لإقامة علاقات دبلوماسية طبيعية ورفع العقوبات الاقتصادية عن كوريا الشمالية، وهذه بالتأكيد أهداف تخدم المصالح الوطنية الأميركية.
لكن الحملة الواهمة لإزالة كل الأسلحة النووية من كوريا الشمالية لا تخدم مصالح مماثلة، ولا تحافظ على القوات العسكرية الأميركية في شبه الجزيرة الكورية وحولها، تلك القوات التي تعمل على حماية الجمهورية الكورية من جارتها الشمالية المشاغبة. لربما بدا هذا الالتزام منطقياً خلال الحرب الباردة حين كانت الولايات المتحدة تعتبر الاتحاد السوفياتي والصين على حد سواء خطراً محتملاً يهدد الأمن في شرق آسيا. فقد رأى المسؤولون الأميركيون آنذاك في كوريا الشمالية بيدقاً محتملاً قد تستعمله هاتان القوتان الكبريان في هجوم شيوعي عام.لكن الوضع تبدل تبدلاً جذرياً خلال العقود الثلاثة الماضية، فلا تعرب روسيا أو الصين عن ميل إلى دعم سلوك بيونغ يانغ المشاغب، بل أقامتا مع كوريا الجنوبية روابط اقتصادية واسعة قد تصبح مهددة مع أي حرب أخرى في شبه الجزيرة.علاوة على ذلك لم تعد كوريا الجنوبية بلداً فقيراً، بل أصبحت دولة عصرية متطورة تُعتبر أحد نمور الاقتصاد في شرق آسيا ولاعباً مهماً في الاقتصاد العالمي، إذ تملك اليوم ضعف عدد سكان عدوها، فضلاً عن اقتصاد يفوق اقتصاده بأربعين مرة على الأقل، كذلك تستطيع سيئول بناء أي قوة عسكرية تراها ضرورية لردع كوريا الشمالية وإنزال الهزيمة بها، لذلك ما من مبرر منطقي لإبقاء كوريا الجنوبية تحت الحماية الأمنية الأميركية. ولكن إن كانت الحاجة إلى الحفاظ على علاقة "راعٍ أو عميل" مع كوريا الجنوبية تتراجع، فإن المخاطر التي تواجهها الولايات المتحدة باضطلاعها بهذا الدور تنمو باطراد، فعندما تعهدت الولايات المتحدة بالدفاع عن كوريا الجنوبية حين كانت كوريا الشمالية مجرد قوة عسكرية تقليدية تملك أسلحة تزداد قدماً، كان الوضع مختلفاً، لكن تطوير الشمال أسلحة نووية بدّل حسابات المخاطر والفوائد بالنسبة إلى واشنطن بشكل جذري. يعرّض القادة الأميركيون اليوم الأراضي الأميركية وملايين الأميركيين للخطر بمواصلتهم الدفاع عن كوريا الجنوبية، ولا شك أن هذه سياسة متهورة، رغم مطالب المفاوضين الأميركيين، من غير المرجح أن تنفذ بيونغ يانغ التزاماً بنزع أسلحتها النووية بالكامل، فسيشكّل هذا بالتأكيد تصرفاً غبياً من قبل القادة الكوريين الشماليين، وخصوصاً أنهم ما زالوا يذكرون ما فعلته الولايات المتحدة بليبيا بعدما وافق معمر القذافي على إنهاء برنامجه النووي، ومن المؤكد أنهم لا يملكون أي رغبة في تعريض أنفسهم لخطر تبديل النظام بالقوة، وتشكّل الترسانة النووية مع نظام إيصال فاعل ضمانتهم، ولن يتخلوا عنها على الأرجح.من الحكمة أن تقر واشنطن بهذا الواقع وتعمل على الحد من المخاطر التي تواجهها الولايات المتحدة، وتساهم في إقامة علاقة طبيعية إلى حد ما مع بيونغ يانغ، وإن كانت متسلحة نووياً، في تحقيق هذا الهدف، لكن إنهاء وجود القوات الأميركية في كوريا الجنوبية والمعاهدة الأمنية المتبادلة مع سيئول تشكّل خطوة أكثر أهمية، فنشر الجنود الأميركيين في تلك المنطقة مقلق بالفعل، ولا يشكّل هؤلاء الجنود الثمانية والعشرون ألفاً في كوريا الجنوبية قوة قتالية فاعلة، بل يمثلون مجرد شرارة تضمن مشاركة الولايات المتحدة الكاملة في أي صراع.يجب أن تتولى كوريا الجنوبية وأمم شرق آسيا الأخرى، التي تملك مصالح أكبر بكثير في هذه المسألة، إدارة العلاقات مع كوريا الشمالية، مواجهةً في الوقت عينه المخاطر التي تترتب على ذلك، فمن غير المنطقي والخطر بالتأكيد أن تتحمل الولايات المتحدة مخاطر مماثلة، لذلك يجب أن يكون الحد من تعرّض الولايات المتحدة للخطر هدف صانعي السياسات الأميركية الأول.* تيد غالن كاربنتر*