بينما يكافح الناس لاستيعاب المذبحة المروعة التي شهدتها مدينة كرايستشيرش، أحيت نيوزيلندا، أمس، ذكرى ضحايا المجزرة.

وأثارت المأساة التي نفّذها المتطرف الأسترالي برينتون تارانت (28 عاماً)، صدمة كبرى في هذا البلد البالغ عدد سكانه خمسة ملايين ويشكل المسلمون 1 في المئة منهم، والمعروف بهناء العيش فيه وبمستوى الإجرام المتدني وبتقاليد الحفاوة بين سكانه.

Ad

وفي وقت بدأ تسلّم رفات بعض الضحايا إلى الأسر، كشفت قائمة غير كاملة بالضحايا أن أعمارهم تتراوح بين 3 سنوات و77 سنة، وأن 4 نساء على الأقل في عداد القتلى.

ومنذ الجمعة الماضي، ينكب المحققون على تحليل مواقع عدة بينها مسجدا النور ولينوود، وأيضا منزل في مدينة دندين جنوب شرقي البلاد، حيث كان يقيم مطلق النار. لكن يبدو أن صبر الأقارب نفد، وهم يرغبون في استعادة الرفات والبدء بالتشييع.

أرديرن

وحاولت رئيسة الوزراء النيوزيلندية جاسيندا أرديرن، أمس، تبديد سخطهم، وقالت في مؤتمر صحافي: "يمكنني أن أؤكد أننا سنبدأ بتسليم جثث الضحايا إلى الأسر اعتبارا من مساء اليوم (أمس)"، مضيفة أن جميع الجثث ستسلم بحلول بعد غد الأربعاء.

وكانت عمدة مدينة كرايستشيرش ليان دالزيل ذكرت، في وقت سابق، أن موظفي مجلس المدينة يعملون على إعداد مواقع المقابر، حتى يمكن أن تجرى عمليات الدفن في أقرب وقت ممكن، وذلك تمشيا مع متطلبات الشريعة الإسلامية.

وأوضحت أرديرن، أن تارانت سيبقى موقوفا حتى جلسة المحاكمة المقبلة المحددة في 5 أبريل، وسيحاكم في نيوزيلندا، ولن يتم تسليمه لأستراليا بلده. وتابعت: "نراجع قوانين حيازة السلاح، وهذه القوانين يجب أن تتغير، وسنبحث غدا القوانين الجدية لحيازة السلاح".

وأكدت أن مكتبها تلقى الجمعة الماضي، "بيانا" من المسلح قبل دقائق من حصول الاعتداء، وقالت: "كنت واحدة من أكثر من 30 متلقيا للبيان الذي أرسل قبل 9 دقائق من حصول الاعتداء. لم يتضمن البيان أي موقع أو تفاصيل محددة"، وتم إرساله إلى أجهزة الأمن خلال دقيقتين من تسلمه.

كما أعلنت رئيسة وزراء نيوزيلندا، أنها تنتظر توضيحات من "فيسبوك" وغيره من مواقع التواصل الاجتماعي بشأن بث مقاطع مصورة من المجزرة بصورة مباشرة خلال الهجوم.

وقام تارانت بتصوير المجزرة ونقلها في بث مباشر على "فيسبوك"، في فيديو نراه خلاله يستهدف المصلين الواحد تلو الآخر ويجهز على المصابين والناجين الذين يحاولون الفرار.

باكستان تكرّم مواطناً تصدى للمهاجم

أعلن رئيس الوزراء الباكستاني عمران خان، أمس، إنه سيتم منح جائزة وطنية للمواطن الباكستاني، الذي قتل خلال محاولته التصدي لمنفذ هجوم كرايستشيرش. وكتب خان على "تويتر": "باكستان فخورة بـميان نعيم رشيد، الذي استشهد خلال محاولة التصدي للإرهابي نصير التفوق الأبيض، وسيتم الاعتراف بشجاعته عبر منحه جائزة وطنية". وقتل رشيد، الذي ظهر في الفيديو وهو يحاول التصدي للمسلح، مع نجله أيضاً.

وقالت أرديرن إنه لا يزل هناك "أسئلة تتطلب أجوبة" من شركات الإنترنت الكبرى، مشيرة إلى أنها على تواصل مع مديرة العمليات في "فيسبوك" شيريل ساندبرغ التي "أقرت بما حصل في نيوزيلندا".

وتابعت رئيسة الوزراء: "بذلنا كل ما في وسعنا لسحب أو حمل المواقع على سحب بعض الصور التي انتشرت في أعقاب هذا الهجوم الإرهابي".

وتابعت: "لكن في نهاية المطاف، يعود لهذه المواقع أن تسهل سحب (المشاهد)، أعتقد أنه لا تزال هناك أسئلة تتطلب أجوبة".

وتعهدت المسؤولة عن "فيسبوك" في نيوزيلندا ميا غارليك، في بيان أمس، "العمل على مدار الساعة لسحب المحتويات المخالفة".

من ناحيته، قال مفوّض الشّرطة النيوزيلندي مايك بوش، إنه تم القبض على شخصين هما رجل وامرأة يحملان أسلحة نارية في سيارتهما عند وقوع الاعتداء، وأوقفا رهن التحقيق، لكن الشرطة أعلنت أنهما غير ضالعين بصورة مباشرة في المجزرة. وأطلق سراح المرأة لاحقا، لكن بوش قال إن الرجل لا يزال موقوفا في مسألة حيازة أسلحة.

جرحى

وأعلنت السلطات، أمس، أن 34 جريحا لا يزالون في المستشفيات. وبينهم ألين الساطي (4 سنوات) التي أصيبت بجروح بالغة. وكانت الطفلة مع والدها الحلاق الأردني وسيم الساطي في مسجد النور عندما أصيبت بثلاث رصاصات على الأقل. وكان وسيم هاجر إلى نيوزيلندا عام 2014.

وقال في مقطع فيديو نشر على "فيسبوك" صور في سريره في المستشفى قبل أن يخضع لعملية جراحية "أرجوكم صلّوا لأجل ابنتي ولأجلي".

في سياق متصل، أقفلت السلطات النيوزيلندية مطار دنيدن بعد العثور على طرد مشبوه.

وقالت الشرطة، في بيان: "إن مطار دنيدن مقفل في الوقت الحاضر"، مضيفة "عناصر الشرطة باتوا في المكان، ويعمل فريق متخصص على تحديد طبيعة الطرد".

جدة السفاح: حفيدي طيب ولطيف

استقبلت جدة برنتون تارنت، سفاح نيوزيلندا، خبر قتله لـ 50 شخصاً في مدينة كرايستشيرش، بعدم التصديق.

وأكدت جويس تارنت، البالغة من العمر 94 عاماً، أن من شاهدته وهو يقتل المسلمين خلال صلاة الجمعة بدم بارد، ليس هو الحفيد الذي تعرفه.

وقالت لصحيفة "ديلي ميل" الاسترالية: "كل ذلك مروع جداً، خصوصاً أنه برينتون ولد طيب ولطيف".

وشددت جويس على أن حفيدها لم يظهر أي علامات على الأيديولوجية المتطرفة عندما تحدثت معه آخر مرة.

وقال موظف في شركة "أير نيوزيلند" موجود في المكان أنه لم يتم إخلاء المطار.

وأفاد بأن عددا قليلا من الرحلات تأثر بهذا الإغلاق الذي حصل مساء أمس الأول.

وشهدت نيويورك وأثينا واسطنبول ومدن ألمانية عدة تظاهرات شارك فيها الآلاف، للاحتجاج على هجوم نيوزيلندا، وتعبيرا عن استنكارهم لتنامي المشاعر المعادية للمسلمين وضد العنصرية.

وفي لندن، أعلنت الشرطة البريطانية، أمس الأول، اعتقال رجل (24 عاما) على خلفية رسالة بثها عبر أحد مواقع التواصل الاجتماعي، بتهمة إعلان تأييده "للأعمال الفظيعة" التي وقعت في نيوزيلندا.

وأكدت أن السلطات ستتحرك ضد أي يشخص يتجاوز الخط الأحمر، وإذا ثبت خرقه للقوانين فسيتم تقديمه للقضاء، مضيفة أنها "أوقات عصيبة بالنسبة إلى كثير من المواطنين من أحداث امتد صداها لكل أرجاء العالم".

إردوغان

وفي أنقرة، قال الرئيس التركي رجب طيب إردوغان، أمس، إن الجميع، وعلى رأسهم الأمم المتحدة، يصفون هجوم نيوزيلندا بأنه "ضد الإسلام"، لكنه رأى أن هؤلاء لا يستطيعون القول إنه "إرهابي مسيحي". وفي الفاتيكان ارتجل البابا فرنسيس كلمتي "أشقائنا المسلمون"، في كلمته التي نعى فيها ضحايا "مجزرة المسجدين".

وقال البابا، أمس: "إخوتي وأخواتي الأعزاء، في هذه الأيام، والتي نشعر فيها بألم الحروب والصراعات التي لا تكف عن التسبب بحزن البشر، فجعنا بضحايا الهجوم المروع على مسجدين في كرايستشرش بنيوزيلندا".

وأضاف البابا: "أصلي من أجل الضحايا والمصابين وعائلاتهم، أنا مقرب من أشقائنا المسلمين، بمجتمعاتهم الدينية والمدنية، وها أنا ذا أجدد الدعوة من أجل التوحد للصلاة من أجل السلام ولنبذ الكراهية والعنف، دعونا نصلي من أجل أشقائنا المسلمين الذين قُتلوا".

ماذا تعني إشارة ok مقلوبة؟

أثارت إشارة قام بها برينتون تارانت، المتهم بهجوم المسجدين في نيوزيلندا، خلال وقوفه أمام القضاء العديد من التساؤلات والتكهنات حول معناها ودلالاتها، حتى أن البعض ذهب إلى التكهن باحتمال أنها إشارة لبدء أمر ما مخطط له، فما حقيقة هذه الإشارة؟

الإشارة كما تظهر عبارة عن تشكيل حلقة بإصبعي السبابة والإبهام مع مد الأصابع الثلاثة الباقية بشكل متطاول، وهي إشارة تستخدمها جماعة "تفوق البيض" العنصرية، ووظفتها في إشارات ذات معان برزت عام 2017 بين النشطاء الموالين لهذه الجماعة على مواقع التواصل الاجتماعي.

الإشارة في الأصل كانت ترمز للمصطلح "OK" أي أن "كل شيء على ما يرام" وانتشرت غالبا للدلالة على ذلك بين الغطاسين، وفي أحيان أخرى استخدمت للدلالة على "وفرة المال"، ولا تزال تستخدم كذلك، إلا أن توظيفها من قبل هذه الجماعة جاء بمعنى "O-KKK" في إشارة إلى جماعة KKK (Ku Klux Klan) وهي جماعة كراهية تؤمن بتفوق العرق الأبيض أسست عام 1865 ومقرها في أركانساس بأميركا.

والإشارة تستخدم بصورة أخرى ذات المعنى ذاته بـ "تفوق العرق الأبيض" حين أن الأصابع الثلاثة الممتدة ترمز إلى الحرف "W" باللغة الإنكليزية، في إشارة إلى كلمة "White" أي "أبيض".