الناقد المغربي محمد المسعودي: الرواية تسود المشهد الأدبي في العالم العربي
«النقد الأدبي بخير ويؤدي دوره على أكمل وجه»
يعتبر محمد المسعودي أحد أبرز نقاد الأدب في المغرب، إلى جانب تنوع إبداعه بين القصة والشعر، ورأى في حوار مع "الجريدة" أن فن الرواية يسود المشهد الأدبي الراهن في العالم العربي، وأن النقد الأدبي بخير ويمارس دوره على أكمل وجه، وإليكم نص الحوار:
• كيف ترى مستوى النقد في العالم العربي، وسط تنامي اتهامات بتراجع دوره خلال السنوات الأخيرة، وعدم مواكبته لكم الإبداع الأدبي؟- أرى - عكس أغلب الآراء المتداولة بين المبدعين وبعض النقاد - أن النقد الأدبي في العالم العربي بخير، ويؤدي دوره الحضاري والثقافي على أكمل وجه، ويواكب قدر استطاعته ما ترمي به المطابع يومياً عبر العالم العربي من إنتاج غثه وسمينه. ولا أحسب أن النقد تراجع عن متابعة الإبداع، لكن وفرة ما يُطبع من كتب تجعل مهمة الناقد الفرد عسيرة، نظراً إلى أنه يحار في اختيار النصوص التي يكتب عنها، ويحار أحياناً في الاهتداء إليها بسبب جعجعة الدعاية لنصوص دون أخرى، ونظراً إلى أن كثرة الجوائز التي صارت تمنح للإبداع شعراً وقصة ورواية صارت مرجعاً للقارئ والناقد في الغالب الأعم، وصارت لجان هذه الجوائز بمثابة "عصبة نقدية" تثمن النصوص وتحدِّد جيدها من رديئها. وهي، تمارس نمطاً من النقد الذي تتحكم فيه اعتبارات ورؤى إيديولوجية معينة. وهناك نقاد جيدون في العالم العربي، وعلى ثقافة واسعة ودراية بالنصوص الإبداعية، يتابعون كل جديد ويقيمونه ويثمنون جهود المبدعين المتميزين الذين يستحقون التنويه والتشجيع، وهم يَدلون القراء على الإبداع الجميل الذي يستحق القراءة، والذي يُمتع ويفيد، وكي لا نغفل أحداً لا داعي لذكر الأسماء، والقراء يعرفون هذه الأسماء النقدية الجادة والوازنة ويثقون في أحكامها وفي ذوقها الأدبي، ثم فهم يواكبون ما تنشره هذه الأقلام النقدية الوازنة في الصحف والمجلات والمواقع أو في كتب متخصصة.
• طبعت مجموعة قصصية وديوان شعر واحد، لمَ لم تواصل مسيرتك الإبداعية واكتفيت بممارسة النقد؟- أصدرت عملين إبداعيين مطبوعين ورقياً، هما مجموعة قصصية بعنوان "سانشوبانشا يدخل المدينة"، وديوان شعر "مدارج البوح والعزلة"، وبعدهما نشرت ديواناً شعرياً إلكترونياً بعنوان "حلم طائر"، ثم انكببت على إنهاء أعمال نقدية مختلفة في دراسة الشعر والرواية والقصة، وأعطيتها الأولوية، لكن هذا لم يمنعني من مواصلة الكتابة الإبداعية، ونشر بعض ما أنتجه شعراً وقصة في مواقع إلكترونية وصحف ورقية. وربما كان شغف الناقد الذي يتابع الجديد في الإبداع دوماً، ويصبو إلى الاطلاع على أحدث النظريات والتطبيقات لتطوير أدواته المنهجية وأساليبه النقدية، وراء القراءات التي أنشرها. وهذه الحالة تجعل الكتابة الإبداعية تالية للممارسة النقدية لدي، لكن الأكيد أنني لم أتوقف عن ممارسة الإبداع الأدبي، فبين فينة وأخرى أعود لإضافة شيء لمشاريع سردية قصصية وروائية، أو يحضرني شيطان الشعر فأخط ما ألقاه علي من وسوسات وهمهمات... وعلى كل أنا أعيش متعة الكتابة سواء كنت بصدد كتابة النقد أو كتابة الإبداع. خلال عقود سابقة كانت هناك فجوة بين أدباء المغرب العربي والقارئ في مصر والخليج، لكن تقلصت هذه الفجوة كثيراً. • ما السبب في ذلك برأيك؟- مرده إلى إمكانات التواصل الجديدة التي أفسحت المجال للقارئ المصري والخليجي لمعرفة أدب المغرب العربي والاطلاع على تجاربه الجديدة. كما أن فتح آفاق نشر أدب المغرب العربي بالمشرق، خصوصاً في بيروت والقاهرة جعل هذا الأدب يحظى بالانتباه، وباهتمام القراء. كما لا ننسى دور الجوائز الأدبية التي شملت النقد والإبداع بشتى أجناسه، وهذه كلها عوامل قلصت الفجوة، وجعلت قراء المشرق يطلعون على إنتاج المغرب العربي، الأمر ذاته، ينطبق على قراء المغرب العربي الذين قرأوا في الغالب أدب مصر وسورية والعراق، لكن أدب الخليج العربي كان شبه مجهول لديهم، الآن بحكم الإنترنت وتوسع وسائل التواصل وبسبب فوز بعض أدباء الخليج بجوائز عربية صارت بعض الأسماء معروفة وصار هناك إقبال على قراءة جديدها، والبحث عن قديمها... وأظن أن الوضع متشابه في الخليج وفي بلاد عربية أخرى مع هذا الوضع... ومع ذلك مازال القراء يشكون من صعوبة الحصول على بعض الأعمال، خصوصاً أعمال بعض رواد القصة والرواية والشعر والمسرح في هذا القطر العربي أو ذاك... وهنا يأتي دور الوزارات ودور النشر للتفكير في إعادة طبع ونشر أعمال هؤلاء الرواد في شكل أعمال كاملة أو ما شابه ذلك.• اقتراب المجتمع المغاربي من الثقافة الغربية، إلى أي مدى منح الأدب لديكم صبغة متفردة؟- لا أحسب أن الأدب المغاربي يختلف كثيراً عن صنوه المشرقي اللهم فيما يتعلق بالنقد الذي استفاد في فترات الثمانينيات من القرن العشرين وما بعدها من النقد الفرنسي وموجة البنيوية وما بعدها، أما فيما يتعلق بالإبداع شعراً ونثراً فأحسب أنه استفاد أقل من الثقافة الغربية، ومن ثم لم تتبلور في الشعر أو القصة أو الرواية أو المسرح اتجاهات ومدارس ذات خصوصية يمكن أن نقول عنها إنها تمتلك مقومات التميز والتفرد، لكن هذا لا يعدم وجود محاولات فردية تمتلك شرط تميزها واختلافها.• بنظرة ناقد متخصص أيهما يسود المشهد الأدبي الراهن على المستوى العربي: الشعر أم الرواية، ولمَ؟- ما يسود المشهد الأدبي الراهن في العالم العربي هو فن الرواية، بفضل كثرة النصوص التي تصدرها المطابع وتنشرها دور النشر، ونظراً إلى تعدد الجوائز المخصصة لهذا الجنس الأدبي في البلاد العربية، كذلك كثرة الأقلام التي تكتب الرواية سواء من الأدباء المعروفين بإخلاصهم لهذا الفن، أو من الشعراء وكتاب القصة والمسرح والنقد، ومن المفكرين والمؤرخين والفقهاء والأطباء والمهندسين الذين صاروا يدلون بدلوهم في كتابة الرواية، كما أن القراء يستهويهم السرد أكثر من الشعر. ولعل استطلاعات الرأي في معارض الكتب.• ما مشروعك النقدي الذي تعكف على إنجازه حالياً وربما يخرج إلى النور قريباً؟- أضع اللمسات الأخيرة على كتابين نقديين، أحدهما قراءات في القصة المغربية القصيرة بعنوان "في بلاغة القصة المغربية القصيرة (اتجاهات وحساسيات)"، والثاني قراءة مقارنة من أفق جديد تتمحور حول نماذج من الروايتين المغربية والسورية.
أعيش متعة الكتابة سواء في النقد أو الإبداع